نذير ينذرها من سوء عاقبة الكفر ، ويدعوها إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ.
فمن أفراد هذه الأمة من أطاعوا هذا النذير فسعدوا وفازوا ، ومنهم من استحب العمى على الهدى ، والكفر على الإيمان فشقوا وخابوا.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى تسليته لرسوله صلىاللهعليهوسلم تسلية أخرى فقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ ، فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.) ...
أى : وإن يكذبك قومك يا محمد فلا تحزن ، فإن الأقوام السابقين قد كذبوا إخوانك الذين أرسلناهم إليهم ، كما كذبك قومك.
وإن هؤلاء السابقين قد (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أى : بالمعجزات الواضحات (وَبِالزُّبُرِ) أى : وبالكتب المنزلة من عند الله ـ تعالى ـ جمع زبور وهو المكتوب ، كصحف إبراهيم وموسى.
(وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) أى : وبالكتاب الساطع في براهينه وحججه ، كالتوراة التي أنزلناها على موسى ، والإنجيل الذي أنزلناه على عيسى.
قال الشوكانى : قيل : الكتاب المنير داخل تحت الزبر ، وتحت البينات ، والعطف لتغير المفهومات ، وإن كانت متحدة في الصدق. والأولى تخصيص البينات بالمعجزات. والزبر بالكتب التي فيها مواعظ ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام» (١).
(ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالعذاب الشديد ، بسبب إصرارهم على كفرهم ، وتكذيبهم لرسلهم.
ووضع الظاهر موضع ضميرهم ، لذمهم وللأشعار بعلة الأخذ.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) للتهويل. أى : فانظر ـ أيها العاقل ـ كيف كان إنكارى عليهم ، لقد كان إنكارا مصحوبا بالعذاب الأليم الذي دمرهم تدميرا ، واستأصلهم عن آخرهم.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك أدلة أخرى على عظيم قدرته. وبين من هم أولى الناس بخشيته ، ومدح الذين يكثرون من تلاوة كتابه ، ويحافظون على أداء فرائضه ، ووعدهم على ذلك بالأجر الجزيل فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٤ ص ٣٤٦.