اى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) في الدنيا بكل ما يجب الإيمان به (لَهُمْ) في الآخرة (نارُ جَهَنَّمَ) يعذبون فيها تعذيبا أليما.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم في جهنم فقال : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) أى : لا يحكم عليهم فيها بالموت مرة أخرى كما ماتوا بعد انقضاء آجالهم في الدنيا ، وبذلك يستريحون من العذاب. ولا يخفف عنهم من عذاب جهنم ، بل هي كلما خبت أو هدأ لهيبها ، عادت مرة أخرى إلى شدتها ، وازدادت سعيرا.
والمراد أنهم باقون في العذاب الأليم بدون موت ، أو حياة يستريحون فيها.
(كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) أى : مثل هذا الجزاء الرادع الفظيع ، نجزى في الآخرة ، كل شخص كان في الدنيا شديد الجحود والكفران لآيات ربه ، الدالة على وحدانيته وقدرته ..
وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) بيان لما يجأرون به إلى ربهم وهم ملقون في نار جهنم.
ويصطرخون ، بمعنى يستغيثون ويضجون بالدعاء رافعين أصواتهم ، افتعال من الصراخ ، وهو الصياح الشديد المصحوب بالتعب والمشقة ، ويستعمل كثيرا في العويل والاستغاثة. وأصله يصترخون ، فأبدلت التاء طاء.
وجملة (رَبَّنا أَخْرِجْنا.) .. مقول لقول محذوف.
أى : وهم بعد أن ألقى بهم في نار جهنم ، أخذوا يستغيثون ويضجون بالدعاء والعويل ويقولون : يا ربنا أخرجنا من هذه النار ، وأعدنا إلى الحياة الدنيا ، لكي نؤمن بك وبرسولك ، ونعمل أعمالا صالحة أخرى ترضيك ، غير التي كنا نعملها في الدنيا.
وقولهم هذا يدل على شدة حسرتهم ، وعلى اعترافهم بجرمهم ، وبسوء أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا.
وهنا يأتيهم من ربهم الرد الذي يخزيهم فيقول ـ سبحانه ـ (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ، وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ.) ...
والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والكلام على إضمار القول ، وقوله (نُعَمِّرْكُمْ) من التعمير بمعنى الإبقاء والإمهال في الحياة الدنيا إلى الوقت الذي كان يمكنهم فيه الإقلاع عن الكفر إلى الإيمان.
و (ما) في قوله (ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ) نكرة موصوفة بمعنى مدة. والضمير في قوله (فِيهِ) يعود إلى عمرهم الذي قضوه في الدنيا.