فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً)(٤٥)
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) .. : هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم حين بلغهم أن أهل الكتاب ، كذبوا رسلهم ، فلعنوا من كذب نبيه منهم ..» (١).
و (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أى : أقوى أيمانهم وأغلظها والجهد : الطاقة والوسع والمشقة.
يقال : جهد نفسه يجهدها في الأمر ، إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه.
والمراد : أنهم أكدوا الأيمان ووثقوها ، بكل ألفاظ التوكيد والتوثيق.
أى : أن كفار مكة ، أقسموا بالله ـ تعالى ـ قسما مؤكدا موثقا مغلظا ، (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) أى : نبي ينذرهم بأن الكفر باطل وأن الإيمان بالله هو الحق.
(لَيَكُونُنَّ أَهْدى) سبيلا (مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) أى : ليكونن أهدى من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم في اتباعهم وطاعتهم ، لهذا الرسول الذي يأتيهم من عند ربهم لهدايتهم إلى الصراط المستقيم.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) وهو محمد صلىاللهعليهوسلم. الذي هو أشرف الرسل.
(ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) أى : ما زادهم مجيئه لهم إلا نفورا عن الحق ، وتباعدا عن الهدى. أى : أنهم قبل مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم كانوا يتمنون أن يكون الرسول منهم ، لا من غيرهم ، وأقسموا بالله بأنهم سيطيعونه فلما جاءهم الرسول صلىاللهعليهوسلم نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
وإنما كان القسم بالله ـ تعالى ـ غاية أيمانهم ، لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وبأصنامهم ، فإذا اشتد عليهم الحال ، وأرادوا تحقيق الحق ، حلفوا بالله ـ تعالى ـ.
وقوله (لَيَكُونُنَ) جواب للقسم المقدر. وقوله : (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) جواب لمّا.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٣٥٨.