والمثل والمثل : النظير والشبيه ، ثم أطلق المثل على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه ـ وهو الذي يضرب فيه ـ لمورده ـ وهو الذي ورد فيه أولا ـ ولا يكون إلا فيما فيه غرابة ـ ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة ، إذا كان لها شأن عجيب ، وفيها غرابة. وعلى هذا المعنى يحمل المثل هنا.
وإنما تضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفى ، وتقريب الشيء المعقول من الشيء المحسوس ، وعرض الغائب في صورة الحاضر ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل ، أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس.
والعنكبوت : حشرة معروفة ، تنسج لنفسها في الهواء بيتا رقيقا ضعيفا ، لا يغنى عنها شيئا ، وتطلق هذه الكلمة على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والغالب في استعمالها التأنيث. والواو والتاء زائدتان ، كما في لفظ طاغوت.
والمعنى : حال هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله ـ تعالى ـ أصناما يعبدونها ، ويرجون نفعها وشفاعتها ... كحال العنكبوت في اتخاذها بيتا ضعيفا مهلهلا ، لا ينفعها لا في الحر ولا في القر ، ولا يدفع عنها شيئا من الأذى.
فالمقصود من المثل تجهيل المشركين وتقريعهم ، حيث عبدوا من دون الله ـ تعالى ـ آلهة ، هي في ضعفها ووهنها تشبه بيت العنكبوت ، وأنهم لو كانوا من ذوى العلم لما عبدوا تلك الآلهة.
قال صاحب الكشاف : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلا ومعتمدا في دينهم ، وتولوه من دون الله ، بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة. وهو نسج العنكبوت. ألا ترى إلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ).
فإن قلت : ما معنى قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) وكل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت؟
قلت : معناه ، لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ، وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن ...» (١).
وقال الآلوسى : قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أى : لو كانوا يعلمون شيئا من الأشياء ، لعلموا أن هذا مثلهم ، أو أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن. و «لو» شرطية ، وجوابها محذوف ، وجوز بعضهم كونها للتمني فلا جواب لها ، وهو غير ظاهر» (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٥٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ١٦٢.