أى : إن في ذلك الذي خلقناه بقدرتنا ، من سماوات مرتفعة بغير عمد ، ومن أرض مفروشة بنظام بديع ، ومن عجائب لا يحصيها العد في هذا الكون ، إن في كل ذلك لآية بينة ، وعلامة واضحة ، على قدرة الله ـ عزوجل ـ.
وخص المؤمنين بالذكر ، لأنهم هم المتدبرون في هذه الآيات والدلائل ، وهم المنتفعون بها في التعرف على وحدانية الله وقدرته ، وعلى حسن عبادته وطاعته.
والمقصود بالتلاوة في قوله ـ تعالى ـ : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) : القراءة المصحوبة بضبط الألفاظ ، وبتفهم المعاني. والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ويشمل كل من آمن به. أى : اقرأ ـ أيها الرسول الكريم ـ ما أوحينا إليك من آيات هذا القرآن قراءة تدبر واعتبار واتعاظ ، وداوم على ذلك ، ومر أتباعك أن يقتدوا بك في المواظبة على هذه القراءة الصحيحة النافعة.
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أى : وواظب على إقامة الصلاة في أوقاتها بخشوع وإخلاص واطمئنان ، وعلى المؤمنين أن يقتدوا بك في ذلك.
وقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) تعليل للأمر بالمحافظة على إقامة الصلاة بخشوع وإخلاص. أى : داوم ـ أيها الرسول الكريم ـ على إقامة الصلاة بالطريقة التي يحبها الله ـ تعالى ـ ، فإن من شأن الصلاة التي يؤديها المسلم في أوقاتها بخشوع وإخلاص ، أن تنهى مؤديها عن ارتكاب الفحشاء ـ وهي كل ما قبح قوله وفعله ـ ، وعن المنكر ـ وهو كل ما تنكره الشرائع والعقول السليمة ـ.
قال الجمل : «ومعنى نهيها عنهما ، أنها سبب الانتهاء عنهما ، لأنها مناجاة لله ـ تعالى ـ ، فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته ، وإعراض كلى عن معاصيه.
قال ابن مسعود : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصى الله ، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ، ولم تنهه عن المنكر ، لم يزدد من الله إلا بعدا ..
وروى عن أنس ـ رضى الله عنه ـ أن فتى من الأنصار ، كان يصلى مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثم يأتى الفواحش ، فذكر للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن صلاته ستنهاه ، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله» (١).
والخلاصة : أن من شأن الصلاة المصحوبة بالإخلاص والخشوع وبإتمام سننها وآدابها ، أن تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، فإن وجدت إنسانا يؤدى الصلاة ، ولكنه مع ذلك يرتكب
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٣٧٧.