ثم أرشده ـ سبحانه ـ إلى جواب آخر يرد به عليهم فقال : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً). أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاهلين : يكفيني كفاية تامة أن يكون الله ـ تعالى ـ وحده ، هو الشهيد بيني وبينكم على أنى صادق فيما أبلغه عنه ، وعلى أن هذا القرآن من عنده.
وهو ـ سبحانه ـ (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) علما لا يعزب عنه شيء ، وسيجازينى بما أستحقه من ثواب ، وسيجازيكم بما تستحقونه من عقاب.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) وأعرضوا عن الحق (وَكَفَرُوا بِاللهِ) ـ تعالى ـ مع وضوح الأدلة على أنه ـ سبحانه ـ هو المستحق للعبادة والطاعة.
الذين فعلوا ذلك : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسارة ليس بعدها خسارة ، حيث آثروا الغي على الرشد ، واستحبوا العمى على الهدى ، وسيكون أمرهم فرطا في الدنيا والآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ.) .. بيان للون آخر من ألوان انطماس بصيرة هؤلاء الكافرين ، ومن سفاهاتهم وجهالاتهم. أى : أن هؤلاء المشركين لم يكتفوا بتكذيبك ـ أيها الرسول الكريم ـ بل أضافوا إلى ذلك ، التطاول عليك ، لسوء أدبهم ، وعدم فهمهم لوظيفتك. بدليل أنهم يطلبون منك أن تنزل عليهم العذاب بعجلة وبدون إبطاء ، على سبيل التحدي لك. كما قالوا في موطن آخر : (... اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١).
ثم يبين الله ـ تعالى ـ حكمته في تأخير عذابه عنهم إلى حين فيقول : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ.) ... أى : يستعجلك المشركون يا محمد في نزول العذاب بهم ، والحق أنه لو لا أجل مسمى ، ووقت معين ، حدده الله ـ تعالى ـ في علمه لنزول العذاب بهم ، لجاءهم العذاب في الوقت الذي طلبوه ، بدون إبطاء أو تأخير.
ومع ذلك فقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ إن هذا العذاب آت لا ريب فيه في الوقت الذي يشاؤه الله ـ تعالى ـ ، وإن هذا العذاب المدمر المهلك : (لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). أى : ليحلن عليهم فجأة وبدون مقدمات ، والحال أنهم لا يشعرون به ، بل يأتيهم بغتة فيبهتهم ، ويستأصل شأفتهم.
ثم كرر ـ سبحانه ـ أقوالهم على سبيل التعجيب من حالهم ، والتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما لقيه منهم. فقال : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ).
__________________
(١) سورة الأنفال الآية ٣٢.