ثم ذكر ـ سبحانه ـ حال المجرمين يوم القيامة فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) و (يُبْلِسُ) من الإبلاس بمعنى السكوت والذهول وانقطاع الحجة ، يقال : أبلس الرجل ، إذا وقف ساكتا حائرا مبهوتا لا يجد كلاما ينقذه مما هو فيه من بلاء.
أى : ويوم تقوم الساعة ، ويشاهد المجرمون أهوالها ، يصابون بالذهول والحيرة والسكوت المطبق ، لانقطاع حجتهم ، وشدة حزنهم وهمهم ، ويأسهم من النجاة يأسا تاما.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) في هذا اليوم (مِنْ شُرَكائِهِمْ) الذين عبدوهم في الدنيا (شُفَعاءُ) يشفعون لهم ، ويجيرونهم من عذاب الله.
(وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) أى : أنهم في هذا اليوم العسير لم يكن لهم من شفعاء يشفعون لهم. بل إنهم صاروا في هذا اليوم الشديد ، كافرين بشركائهم الذين توهموا منهم الشفاعة ، لأنهم يوم القيامة تتجلى لهم الحقائق ، ويعرفون أن هؤلاء الشركاء لا يرجى منهم نفع ، ولا يخشى منهم ضر.
ثم كرر ـ سبحانه ـ هذا المعنى على سبيل التأكيد والتهويل من شأنه فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ).
والضمير في قوله : (يَتَفَرَّقُونَ) للناس جميعا. والمراد بتفرقهم أن كل طائفة منهم تتجه إلى الجهة التي أمرهم ـ سبحانه ـ بالتوجه إليها ، لينال كلّ جزاءه.
ثم بين ـ سبحانه ـ كيفية هذا التفرق فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ).
والروضة : تطلق على كل مكان مرتفع زاخر بالنبات الحسن. والمراد بها هنا : الجنة.
ويحبرون : من الحبور بمعنى الفرح والسرور والابتهاج.
أى : ويوم تقوم الساعة ، في هذا اليوم يتفرق الناس إلى فريقين ، فأما فريق الذين آمنوا وعملوا في دنياهم الأعمال الصالحات ، فسيكونون في الآخرة في جنة عظيمة ، يسرون بدخولها سرورا عظيما ، وينعمون فيها نعيما لا يحيط به الوصف.
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وبرسله وباليوم الآخر (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الدالة على وحدانيتنا وصدق أنبيائنا (فَأُولئِكَ) الكافرون (فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أى : مقيمون فيه ، ومجموعون إليه ، بحيث لا يستطيعون الهروب منه ـ والعياذ بالله.
وبعد هذا البيان المؤثر لأهوال يوم القيامة ، ولأحوال الناس فيه .. ساق ـ سبحانه ـ