لأن جميع العبادات البدنية ، لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب فافهم ذلك (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن هؤلاء المشركين لم ينتفعوا بهذه الأمثال لاستيلاء الجهل والعناد عليهم فقال : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ...
أى : لم ينتفع هؤلاء الظالمون بهذا المثل الجلى في إبطال الشرك ، بل لجوا في كفرهم ، واتبعوا أهواءهم الزائفة ، وأفكارهم الفاسدة ، وجهالاتهم المطبقة دون أن يصرفهم عن ذلك علم نافع (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أى : إذا كان هذا هو حالهم ، فمن الذي يستطيع أن يهدى إلى الحق ، من أضله الله ـ تعالى ـ : عنه بسبب زيفه واستحبابه العمى على الهدى.
إنه لا أحد يستطيع ذلك (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم من عقابه ـ سبحانه ـ لهم.
ثم أمر سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يثبت على الحق الذي هداه ـ عزوجل ـ إليه فقال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) .. والفاء هي الفصيحة ، وقوله : (فَأَقِمْ) من الإقامة على الشيء والثبات عليه ، وعدم التحول عنه.
قوله : (حَنِيفاً) من الحنف ، وهو الميل من الباطل إلى الحق ، وضده الجنف ، و (حَنِيفاً) حال من فاعل (فَأَقِمْ).
أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من بطلان الشرك فاثبت على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، وأقبل على هذا الدين الذي أوحاه الله إليك ، بدون التفات عنه ، أو ميل إلى سواه.
قال صاحب الكشاف : قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) أى : فقوم وجهك له وعدّله ، غير ملتفت عنه يمينا أو شمالا ، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته ، واهتمامه بأسبابه ، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه ، وسدد إليه نظره ، وقوم له وجهه ، مقبلا به عليه.
والمراد بالفطرة في قوله ـ تعالى ـ : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ) الملة. أى : ملة الإسلام والتوحيد.
أو المراد بها : قابلية الدين الحق ، والتهيؤ النفسي لإدراكه. والأصل فيها أنها بمعنى الخلقة.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٣.