وخبر. وقوله : (تَخافُونَهُمْ) خبر ثان لأنتم ، وقوله : (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) صفة لمصدر محذوف ، أى : تخافونهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم.
والمعنى : ضرب الله ـ تعالى ـ لكم ـ أيها الناس ـ مثلا منتزعا من أنفسكم التي هي أقرب شيء إليكم ، وبيان هذا المثل : أنكم لا ترضون أن يشارككم في أموالكم التي رزقناكم إياها ، عبيدكم وإماؤكم ، مع أنهم مثلكم في البشرية ، ونحن الذين خلقناهم كما خلقناكم ، بل إنكم لتخافون على أموالكم منهم ، أن يشاركوكم فيها ، كما تخافون عليها من الأحرار المشابهين لكم في الحرية وفي جواز التصرف في تلك الأموال. فإذا كان هذا شأنكم مع عبيدكم ـ الذين هم مثلكم في البشرية ، والذين لم تخلقوهم بل نحن الذين خلقناكم وخلقناهم ـ فكيف أجزتم لأنفسكم أن تشركوا مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة ، مع أنه ـ سبحانه ـ هو الخالق لكم ولهم ، والرازق لكم ولهم؟!!.
إن تصرفكم هذا ظاهر التناقض والبطلان ، لأنكم لم ترضوا أن يشارككم غيركم في أموالكم ، ورضيتم أن تشركوا مع الله ـ تعالى ـ : غيره في العبادة ، مع أنه ـ سبحانه ـ هو الخالق والرازق لكل شيء.
فالمقصود من الآية الكريمة ، إبطال الشرك بأبلغ أسلوب ، وأوضح بيان ، وأصدق حجة ، وأقوى دليل.
ولذا ختمها ـ سبحانه ـ بقوله : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أى : مثل ذلك التفصيل الجلى الواضح ، نفصل الآيات الدالة على وحدانيتنا ، لقوم يعقلون هذه الأمثال ، وينتفعون بها في إخلاص العبادة لله الواحد القهار.
قال الإمام القرطبي : قال بعض العلماء : هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين ، لافتقار بعضهم إلى بعض ، ونفيها عن الله ـ سبحانه ـ وذلك أنه قال ـ سبحانه ـ : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) فيجب أن يقولوا : ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا ، فيقال لهم : فكيف يتصور أن تنزهوا أنفسكم عن مشاركة عبيدكم ، وتجعلوا عبيدي شركائى في خلقي ، فهذا حكم فاسد ، وقلة نظر وعمى قلب!!
فإذا أبطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة ، والخلق كلهم عبيد الله ـ تعالى ـ فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله ـ تعالى ـ في شيء من أفعاله.
ثم قال ـ رحمهالله ـ : وهذه المسألة أفضل للطالب ، من حفظ ديوان كامل في الفقه ،