وقوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) .. بيان للفوائد التي تعود على الناس من إرسال الرياح التي تعقبها الأمطار ، وهو متعلق بقوله (يُرْسِلَ).
أى : يرسل الرياح مبشرات بالأمطار ويرسلها ليمنحكم من رحمته الخصب والنماء لزرعكم ، ولتجرى الفلك عند هبوبها في البحر بإذنه ـ تعالى ـ ولتبتغوا أرزاقكم من فضله ـ سبحانه ـ عن طريق الأسفار ، والانتقال من مكان إلى آخر ، ولكي تشكروا الله ـ تعالى ـ على هذه النعم : فإنكم إذا شكرتموه ـ سبحانه ـ على نعمه زادكم منها.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ.) .. كلام معترض بين الحديث عن نعمة الرياح ، لتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما لحقه من قومه من أذى.
أى ولقد أرسلنا من قبلك ـ أيها الرسول الكريم ـ رسلا كثيرين ، إلى قومهم ليهدوهم إلى الرشد ، وجاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات التي تدل على صدقه.
وقوله (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) معطوف على كلام محذوف. أى : أرسلناهم بالحجج الواضحات ، فمن أقوامهم من آمن بهم ، ومنهم من كذبهم ، فانتقمنا من المكذبين لرسلهم.
(وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) أى : وكان نصر المؤمنين حقا أوجبناه على ذاتنا ، فضلا منا وكرما ، وتكريما وإنصافا لمن آمن بوحدانيتنا ، وأخلص العبادة لنا.
«وحقا» خبر كان ، و «نصر المؤمنين» اسمها و «علينا متعلق بقوله حقا.
قال ابن كثير : قوله (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) هو حق أوجبه على نفسه الكريمة ، تكرما وتفضلا ، كقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
وعن أبى الدرداء قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه ، إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة : ثم تلا صلىاللهعليهوسلم هذه الآية» (١).
ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن الرياح وما يترتب عليها من منافع فتقول : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) بقدرته ومشيئته.
(فَتُثِيرُ سَحاباً) أى : هذه الرياح التي يرسلها الله ـ تعالى ـ تتحرك في الجو وفق
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٢٨.