إرادته ـ سبحانه ـ وتحرك السحاب وتنشره من مكان إلى آخر.
(فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) : أى فيبسط الله ـ تعالى ـ هذا السحاب في طبقات الجو ، بالكيفية التي يختارها ـ سبحانه ـ ويريدها ، بأن يجعله تارة متكاثفا ، وتارة متناثرا ، وتارة من جهة الشمال ، وتارة من جهات غيرها.
(وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أى : ويجعله قطعا بعضها فوق بعض تارة أخرى. والكسف : جمع كسفه ، وهي القطعة من السحاب.
(فَتَرَى الْوَدْقَ) أى : المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أى يخرج ويتساقط من خلال هذا السحاب ، ومن بين ذراته. (فَإِذا أَصابَ بِهِ) ، أى : بهذا المطر (مَنْ يَشاءُ) إصابته به (مِنْ عِبادِهِ) بأن ينزله على أراضيهم وعلى بلادهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أى : يفرحون بذلك ، لأنه يكون سببا في حياتهم وحياة دوابهم وزروعهم ..
وأعرف الناس بنعمة المطر ، أولئك الذين يعيشون في الأماكن البعيدة عن الأنهار. كأهل مكة ومن يشبهونهم ممن تقوم حياتهم على مياه الأمطار.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم قبل نزول تلك الأمطار عليهم فقال : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ).
وإن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، والضمير في (يُنَزَّلَ) يعود للمطر ، وفي قوله (مِنْ قَبْلِهِ) يعود لنزول المطر ـ أيضا ـ على سبيل التأكيد. وقوله : (لَمُبْلِسِينَ) خبر كان. والإبلاس : اليأس من الخير ، والسكوت ، والانكسار غما وحزنا. يقال : أبلس الرجل ، إذا سكت على سبيل اليأس والذل والانكسار.
أى : هم عند نزول الأمطار يستبشرون ويفرحون ، ولو رأيت حالهم قبل نزول الأمطار لرأيتهم في غاية الحيرة والقنوط والإبلاس ، لشدة حاجتهم إلى الغيث الذي طال انتظارهم له وتطلعهم إليه دون أن ينزل.
قال صاحب الكشاف : وقوله (مِنْ قَبْلِهِ) من باب التكرير والتوكيد ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) (١) «ومعنى التوكيد فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد ، فاستحكم يأسهم ، وتمادى إبلاسهم ، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك» (٢).
__________________
(١) سورة الحشر الآية ١٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٨٥.