ثم لفت ـ سبحانه ـ أنظار الناس إلى ما يترتب على نعمة المطر من آثار عظيمة فقال : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) .. والفاء للدلالة على سرعة الانتقال من حالة اليأس إلى الاستبشار. أى : فانظر ـ أيها العاقل ـ نظرة تعقل واتعاظ واستبصار ، إلى الآثار المترتبة على نزول المطر ، وكيف أن نزوله حول النفوس من حالة الحزن إلى حالة الفرح ، وجعل الوجوه مستبشرة بعد أن كانت عابسة يائسة.
وقوله ـ تعالى ـ : (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) في محل نصب على تقدير الخافض. أى : فانظر إلى آثار رحمة الله بعد نزول المطر ، وانظر وتأمل كيف يحيى الله ـ تعالى ـ بقدرته ، الأرض بعد موتها بأن يجعلها خضراء ويانعة ، بعد أن كانت جدباء قاحلة.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) يعود على الله ـ تعالى ـ. أى : إن ذلك الإله العظيم الذي أحيا الأرض بعد موتها ، لقادر على إحياء الموتى ، إذ لا فرق بينهما بالنسبة لقدرة الله التي لا يعجزها شيء. (وَهُوَ) ـ سبحانه ـ (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن جملة الأشياء المقدور عليها ، إحياء الموتى.
وهكذا يسوق القرآن الكريم الأدلة على البعث ، بأسلوب منطقي ، منتزع من واقع الناس ، ومن المشاهد التي يرونها في حياتهم.
وبعد أن صور ـ سبحانه ـ أحوال الناس عند رؤيتهم للرياح التي تثير السحب المحملة بالأمطار ، وأنهم عند رؤيتها يفرحون ويستبشرون. بعد أن صور ذلك بأسلوب بديع ، أتبع ذلك بتصوير حالهم عند ما يرون ريحا تحمل لهم الرمال والأتربة ، وتضر بمزروعاتهم فقال ـ تعالى ـ (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ).
والضمير في «رأوه» يعود إلى النبات المفهوم من السياق. أى : هذا حال الناس عند ما يرون الرياح التي تحمل لهم الأمطار ، أما إذا أرسلنا عليهم ريحا معها الأتربة والرمال ، فرأوا نباتهم وزروعهم قد اصفرت واضمحلت وأصابها ما يضرها أو يتلفها .. فإنهم يظلون من بعد إرسال تلك الريح عليهم ، يكفرون بنعم الله ، ويجحدون آلاءه السابقة ، ويقابلون ما أرسلناه عليهم بالسخط والضيق ، لا بالاستسلام لقضائنا ، وملازمة طاعتنا.
قال الآلوسى ما ملخصه : واللام في قوله : (وَلَئِنْ) موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط ، والفاء في «فرأوه» فصيحة ، واللام في قوله «لظلوا» لام جواب القسم الساد مسد الجوابين ، والماضي بمعنى المستقبل .. وفيما ذكر ـ سبحانه ـ من ذمهم على عدم تثبتهم ما لا يخفى ، حيث كان من الواجب عليهم أن يتوكلوا على الله ـ تعالى ـ في كل حال ، ويلجئوا إليه بالاستغفار ، إذا احتبس منهم المطر ، ولا ييأسوا من روح الله ـ تعالى ـ