فالمكلّف اذا شكّ في أنّه بالفعل هل هو مكلّف بلزوم الاحتياط تجاه ما يحتمل حرمته أو وجوبه؟ يجري استصحاب عدم جعل الحكم من الأول باللحاظ الأول ؛ لأنّ وضع الأحكام كان تدريجا ، وباللحاظ الثاني يجري استصحاب عدم تحقّق الفعلية فعلا للحكم الذي لم يكن عليه ثابتا قبل كماله.
ومن المعلوم أنّ المصحّح لجريان الاستصحاب هو أن يكون المستصحب صالحا لورود التعبّد عليه ، وعدم جعل الحكم مستمرّا وبقاء وعدم فعليته كذلك له تلك الصلاحية ، ولا يلزم أن يكون هو أو أثره مجعولا شرعيا ، وأثر استصحاب هذا العدم هو تحصيل المؤمّن على وجه التنجيز أو التعذير.
مضافا إلى جواز أن يجعل المستصحب عدم النهي من الاقتحام أو الترك قبل بلوغه وتميزه فالآن كما كان.
وهذا الاستصحاب مقدّم على دليل الاحتياط لو تمّ له ظهور في اللزوم ، فانّ موضوعه احتمال النهي والمنع وثبوت التكليف ، والاستصحاب رافع لهذا الاحتمال ، وحينئذ ينصرف ذاك الظهور الى موارد العلم الإجماليّ والشكّ في المكلّف به.
قد يقال : إنّ الاستدلال بالاستصحاب على البراءة مغن عن القيل والقال في جهة الاستدلال عليها بالأدلّة اللفظية والعقلية ؛ لأنّه من الأدلّة المحرزة ، وبلحاظ إحرازة اللسانيّ مقدم على سائر الاصول العملية. ولقد قرع الأسماع أنّ الاستصحاب عرش الاصول وفرش الأمارات ، ومعه يكون الاستدلال على البراءة بالكتاب والسنّة والعقل والإجماع لغوا.