وكان لا بد أن يكون ذلك السلوك والعمل ، وتلك العبادة منسجمة مع طبيعة الهدف الذي يسعى إليه الإنسان ، وهو أن يحقق هذا الإنسان ذاته ، ويستجمع خصائصه ومزاياه الإنسانية ، ويقيم حالة من التوازن فيما بين تلك الخصائص والمزايا ، ليحقق من خلال ذلك انسجامها مع ذلك الهدف ، وتناغمها معه بصورة إيجابية وبنّاءة ودافعة للحركة الصحيحة باتجاهه ، ومن ثم باتجاه مواقع الزلفى والقرب من الله سبحانه وتعالى.
وبعبارة أخرى : إن الإنسان إنما يسعد بإنسانيته ، وباقامة حالة من التوازن بين كل خصائصه ومزاياه وطاقاته بجميع تنوعاتها ، لأن حالة التوازن هذه هي التي تعطيه السّلام والطمأنينة في ظل الرضى ، والرعاية الإلهية. وأي خلل واهتزاز في حالة التوازن هذه ـ بسبب اقتراف معصية ، أو بسبب تربية خاطئة ـ سيؤدي إلى اهتزاز هذا السّلام النفسي وتقويضه ، وسينعكس سلبا على درجة القرب من الله سبحانه. قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١٢٠).
ومن الواضح : أن إقامة حالة التوازن هذه ، وسعادة الإنسان بإنسانيته ، ثم السعي نحو الله سبحانه لنيل درجات القرب
__________________
(١٢٠) سورة الرعد الآية ٢٨.