تناقض يسيء إلى المعنى :
والغريب في الأمر هنا : أننا نجد نفس أولئك الذين فسروا الآية باليهود والنصارى قد ناقضوا أنفسهم حين أضافوا إلى ذلك قولهم : إن المغضوب عليهم هم قوم عرفوا الحق ثم عاندوه. وهم الذين وصفهم الله تعالى بأنهم قوم (غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) (١٦٢).
أما الضالون فهم : قوم ما عرفوا الحق ، وقصروا في طلبه ، فضلوا. وهم الذين وصفهم الله بأنهم (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ ، وَأَضَلُّوا كَثِيراً ، وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (١٦٣).
وهذا كلام عجيب ، قد لا يخطر حتى على بال النصارى أنفسهم في صياغة البراءة لأنفسهم ، إذ أنه يعني : أن يكون النصراني معذورا في ضلاله ، ويكاد يكون هذا تبريرا لانحرافهم ، حيث إن ضلالهم كان نتيجة تقصير ، فلا يرقى إلى درجة الجريمة الفاحشة.
ومعنى ذلك : أنه تعالى قد انتقل من الحديث عن أمر عظيم الخطورة ، قد وصف به اليهود ، وهو كونهم من المغضوب عليهم إلى أمر سهل وبسيط ، وهو ضلال قوم بسبب تقصير منهم. لا بسبب التعمد لغير الحق!!.
__________________
(١٦٢) سورة المجادلة. الآية ١٤.
(١٦٣) سورة المائدة الآية ٧٧.