والسر في ذلك هو أن البسملة قد جعلتنا نعترف بأن الله الذي له صفة الألوهية متصف بجميع صفات الجمال والجلال والكمال. فإذا أردنا أن نطلب من الله سبحانه أن يفيض علينا من خلال هذه الصفات : الرزق ، والمغفرة ، والشفاء ، والخلق ، والقوة ، والصحة .. الخ ، فمفتاح ذلك كله هو الرحمة الإلهية ، فلا بد من الدخول من بابها فإنه تعالى ممتلئ رحمة ، وكثيرة هي رحماته بمقتضى" رحمان".
ثم لأجل استمرار الاستفادة من فيوضات الرحمة التي هي من مقتضيات صفات الألوهية لا بد من ثبات هذه الرحمة ودوامها مفيضة ومنيلة ، كما ألمحت إليه كلمة" الرحيم".
وبعد تقديم ذلك الاعتراف بأنه سبحانه قد أفاض علينا من كل ما تقتضيه تلك الصفات بجميع فروعها من جلالية وجمالية ، أو فقل : من صفات فعل أو صفات ذات ، يأتي الحمد والثناء بمثابة اعتراف بهذه الفيوضات ، لأنها هي التي دفعتنا لهذا الثناء ..
وإنما اعتبرنا أن المستحق لحقيقة الحمد ، أو لكل مرتبة من مراتب الحمد وكل فرد من أفراده هو الله سبحانه ، لأن كل ما يصل إلينا من خلال الإفاضة المباشرة مثل خلقنا. أو بالواسطة ، كإحسان الوالدين لنا. ومثل ما نستفيده من الطبيعة كالأرض ، والشجر ، والشمس والنجوم. إن كل ذلك إنما ينتهي إلى الله سبحانه بالمباشرة أو بالواسطة.