والمقرّبين ، ويلحق بالملأ الأعلا والسابقين ، إن ساعده التوفيق ، وكان من الكاملين. أو بأصحاب اليمين ، إن كان من المتوسّطين ، أو يحشر مع الشياطين وأصحاب الشمال ، إن ولّاه الشيطان وقارنه الخذلان في المآل.
وهذا معنى الصراط المستقيم ، منه ما إذا سلكه أوصله الجنّة ، وهو ما يشتمل عليه الشرع ، كما قال الله عزوجل : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، صراط الله وهو صراط التوحيد والمعرفة والتوسّط بين الأضداد في الأخلاق ، والتزام صوالح الأعمال.
وبالجملة : صورة الهدى الذي أنشأه المؤمن لنفسه مادام في دار الدنيا ، مقتديا فيه بهدى إمامه ، وهو أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف في المعنى ، مظلم لا يهتدى إليه إلّا من جعل الله له نورا يمشي به في الناس ، يسعى الناس على قدر أنوارهم ... (١).
وبعد تلكم الأحاديث المتظافرة والتي رواها الفريقان بإجماع :
[١ / ٥٦٨] روى عبد بن حميد وابن عساكر من طريق عاصم الأحول (٢) عن أبي العالية في قوله (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال : هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحباه من بعده. قال : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق ... (٣).
[١ / ٥٦٩] ولعلّ الأصل هو ما رواه المفسّرون ورواه الطبراني بإسناده إلى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : الصراط المستقيم ، الذي تركنا عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤). مرادا به النبيّ الأعظم ومن جرى على منهجه وشريعته من صحابته الأخيار والتابعين لهم بإحسان.
قال أبو جعفر الطبري : والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي ـ أعني : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ أن يكون معنيّا به : وفّقنا للثبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم. لأنّ من وفّق لما وفّق له من أنعم الله عليه من النبيّين
__________________
(١) الصافي ١ : ١٢٧.
(٢) هو ابن سليمان البصري ، مولى عثمان ويقال : آل زياد. كان يتولّى الولايات ، فكان بالكوفة على الحسبة في المكاييل والأوزان وكان قاضيا بالمدائن لأبي جعفر. وكان يحيى بن سعيد قليل الميل إليه. وقال ابن إدريس : رأيته أتى السوق فقال : اضربوا هذا ، أقيموا هذا ، فلا أروي عنه شيئا. وتركه وهيب ، لأنّه أنكر بعض سيرته. قال عليّ بن المديني عن القطّان : لم يكن بالحافظ. (تهذيب التهذيب ٥ : ٤٣ / ٧٣).
(٣) الدرّ ١ : ٣٩ ـ ٤٠ ؛ ابن عساكر ٤٤ : ٢٥٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٠ / ٣٤ ؛ الحاكم ٢ : ٢٥٩.
(٤) راجع : ابن كثير ١ : ٣٠ ؛ الكبير ١٠ : ٢٠٠ / ١٠٤٥٤.