حقّ تلاوته. وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه» (١).
وقد استوفينا الكلام عن حجّية ظواهر القرآن حجّية قاطعة لا مرية فيها ، وفنّدنا مزاعم القول بأنّ هناك من الأخباريين من ينكر حجّيتها ، وأنّها نسبة ظالمة تأباه طبيعة كون الكتاب هو السند الحيّ لفهم شرائع الدين ومعارفه. سوى أنّ هناك تخصيصات وتقييدات وتفاصيل لما أجمل في القرآن إجمالا ، لا بدّ من التماسها من السنّة الشريفة وفي أحاديث النبيّ وعترته الأطياب (صلوات الله عليهم) ، الأمر الذي يلتزم به كل فقيه بارع ، سواء أكان مجتهدا أصوليّا أم متعبّدا أخباريّا ، على سواء (٢).
السياق في القرآن
كان لسياقة الكلام دورها الأوفى في الإدلاء بمداليل الألفاظ والإيفاء بواقع المراد ، وكانت تعدّ من خير القرائن الحافّة المكتنفة بالكلام ، والآخذة بزمامه تسوقه حيث شاء المتكلّم أو كاتب المقال.
والسياق عبارة عن اتّجاه الكلام الخاصّ ، الموجب لتواثق الكلام وترابط أجزاءه مع البعض ، صدرا وذيلا وفي الأثناء ، يجعل من مسيرة الكلام في اتّجاه خاصّ. وبذلك يستبين أهداف التعابير الواردة في الكلام إفراديّا أو جمليّا ويتبيّن وجه الاستعمال إن حقيقة أو مجازا ، ومن ثمّ فالاهتمام به كبير ولا ينبغي التغافل عنه بحال.
قال الإمام بدر الدين الزركشي : ليكن محطّ نظر المفسّر ، مراعاة نظم الكلام الذي سيق له ، وإن خالف أصل الوضع اللغويّ لثبوت التجوّز. ولهذا ترى صاحب «الكشّاف» يجعل الذي سيق له الكلام معتمدا ، حتّى كأنّه غيره مطروح (٣).
وقال فيما إذا لم يرد في التفسير نقل عن المفسّرين ـ وهو قليل ـ : وطريق التوصّل إلى فهمه ، النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها واستعمالها بحسب السياق. وهذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب «المفردات» فيذكر قيدا زائدا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ ، لأنّه
__________________
(١) المحاسن : ٢٦٨ / ٣٥٦.
(٢) راجع ما كتبناه بهذا الصدد في كتابنا : التمهيد ٩ : ٧٤ ـ ٨٥.
(٣) البرهان ١ : ٣١٧ ، آخر النوع ٢١.