أهمّ أسباب الوضع في الحديث
ذكر الإمام الحافظ محمّد بن حبّان بن أحمد ، أبو حاتم التميمي البستي (المتوفّى سنة ٣٥٤) في كتابه الذي وضعه لبيان المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين ، أنواعا من الجرح في الضعفاء ، نذكرها بتلخيص :
النوع الأوّل ، ما وضعه الزنادقة ممّن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، كانوا يدخلون المدن ويتشبّهون بأهل العلم ويضعون الحديث على العلماء ليوقعوا الشكّ في قلوب الناس. وربما سمع الثقات منهم ما يروون فيؤدّونها إلى من بعدهم ، فوقعت في أيدي الناس حتّى تداولوها يدا بيد.
قال ابن لهيعة (١) : دخلت على شيخ وهو يبكي فقلت : ما يبكيك؟ قال : وضعت أربعمائة حديث أدخلتها في برنامج الناس ، فلا أدري كيف أصنع!
قال يحيى بن عبد الله بن بكير (٢) : سمعت الليث ابن سعد (٣) يقول : قدم علينا شيخ من الإسكندريّة يروي عن نافع ـ ونافع يومئذ حيّ ـ فأتيناه فكتبنا عنه فنداقين (٤) عن نافع ، فلمّا خرج الشيخ أرسلنا بالفنداقين إلى نافع فما عرف منها حديثا واحدا. قال أصحابه : ينبغي أن يكون هذا من الشياطين الذين حسبوا (٥).
وذكر القرطبي أنّ قوما من الزنادقة مثل : المغيرة بن سعيد الكوفي ومحمّد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة وغيرهما ، وضعوا أحاديث وحدّثوا بها ليوقعوا بذلك الشكّ في قلوب الناس. فممّا رواه محمّد بن سعيد عن أنس بن مالك في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا خاتم الأنبياء لا نبيّ بعدي» : إلّا ما شاء الله.
فزاد هذا الاستثناء ، لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة (٦).
__________________
(١) هو : عبد الله بن لهيعة أبو عبد الرحمان المصري الفقيه القاضي. قال أبو داوود عن أحمد : ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه. (تهذيب التهذيب ٥ : ٣٧٥ / ٦٤٨).
(٢) هو أبو زكريّا المصري الحافظ وقد ينسب إلى جدّه. ذكره ابن حبّان في الثقات (١٥٤ ـ ٢٣١). قال ابن عديّ : كان جار الليث بن سعد ، هو أثبت الناس فيه. وعنده عن الليث ما ليس عند أحد. (تهذيب التهذيب ١١ : ٢٣٨ / ٣٨٧).
(٣) هو : الليث بن سعد بن عبد الرحمان الفهمي أبو الحارث الإمام المصري الشهير أصله من إصبهان. قال ابن سعد : كان قد اشتغل بالفتوى في زمانه وكان ثقة كثير الحديث صحيحا وكان سربا من الرجال نبيلا سخيّا. وقال أحمد : ليس لأهل مصر أصحّ حديثا من ليث. (تهذيب التهذيب ٨ : ٤٦١ / ٨٣٢).
(٤) الفنداق : صحيفة الحساب : الدفتر.
(٥) أي رجموا بالحسبانة وهي الصاعقة.
(٦) القرطبي ١ : ٧٨.