النوع الثاني ، ما وضعه المغترّون حسبة لله فيما زعموا. قال أبو حاتم : ومنهم من استفزّه الشيطان حتّى كان يضع الحديث على الشيوخ الثقات في الحثّ على الخير وذكر الفضائل ، والزجر عن المعاصي والعقوبات عليها ، متوهّمين أنّ ذلك مما يؤجرون عليها ، يتأوّلون : قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كذب عليّ متعمّدا ...» زعموا : أنّهم كذبوا له لا عليه! قالوا : المقصود من الكذب عليه ، رميه بالسحر أو الشعر أو الكهانة.
قال أبو حاتم : حدّثني أحمد بن محمّد الجواربي بواسط ، عن عليّ بن عبد الرحمان بن المغيرة ، قال : سمعت أبا صالح يقول : سمعت بقيّة (هو ابن الوليد كان يروي عمّن دبّ ودرج من غير هوادة) يقول : سمعت إبراهيم بن أدهم (١) يقول ـ بشأن هذا الحديث ـ : أن لو قال قائل : النبيّ ساحر أو شاعر أو كاهن.
قال : سمعت عبد الله بن جابر بطرسوس يقول : سمعت جعفر بن محمّد الأزدي يقول سمعت محمّد بن عيسى الطبّاع يقول سمعت ابن مهديّ (٢) يقول لميسرة بن عبد ربّه (٣) : من أين جئت بهذه الأحاديث : من قرأ كذا فله كذا؟ قال : وضعتها أرغّب الناس فيها.
النوع الثالث ، ما وضعوه جرأة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال أبو حاتم : ومنهم من كان يضع الحديث على الثقات وضعا استحلالا وجرأة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى أنّ أحدهم كان عامّة ليله يسهر في وضع الحديث ، كأبي البختري وهب بن وهب القاضي (٤) وسليمان بن عمرو
__________________
(١) هو : أبو إسحاق العجلي البلخي الزاهد ، سكن الشام. قال ابن حبان : هو من الثقات كان صابرا على الجهد والفقه والورع الدائم والسخاء الوافر إلى أن مات في بلاد الروم سنة ١٦١. قال النسائي : ثقة مأمون أحد الزهّاد. وقال الدارقطني : إذا روى عنه ثقة فهو صحيح الحديث! (تهذيب التهذيب ١ : ١٠٣ / ١٧٦).
(٢) هو : عبد الرحمان بن مهديّ بن حسان العنبري أبو سعيد البصري الحافظ الإمام العلم الشامخ (تهذيب التهذيب ٦ : ٢٧٩ / ٥٤٩).
(٣) كان ممّن يروي الموضوعات عن الأثبات ويضع الحديث. وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل ـ حسبما نذكر ـ (لسان الميزان ٦ : ١٣٨ / ٤٨٠).
(٤) سكن بغداد وولّي قضاء عسكر المهديّ ثمّ قضاء المدينة. ثمّ ولّي حرسها وصلاتها وكان جوادا ممدحا ، لكنّه متّهم في الحديث. وممّا وصموه : أنّه أكذب البريّة أو أكذب الناس طرّا. قال ابن الجارود : كذّاب خبيث ، كان عامّة اللّيل يضع الحديث. كان يضع الحديث تزلّفا للأمراء. وهو صاحب حديث القباء الأسود وحديث لا سبق إلّا في جناح. وغيرهما من أحاديث كان يضعها ارتجالا. ولمّا بلغ ابن مهدي موته قال : الحمد لله الذي أراح المسلمين منه. (لسان الميزان ٦ : ٢٣٣ / ٨٣٠).