الصالح فيه ، فإنّه جار على ما تقضي به العربيّة ، وما تدلّ عليه الأدلّة الشرعيّة ، حسبما تبيّن قبل.
وإن كان الثاني فللتوقف عن اعتباره في فهم باطن القرآن مجال. وأخذه على إطلاقه فيه ممتنع ، وليس من قبيل الأوّل.
وبعد فإنّ تلك الأنظار الباطنة في الآيات المذكورة إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدّمة ، فهي راجعة إلى الاعتبار غير القرآني ، وهو الوجودي (١) وهو أمر خاصّ ، وعلم منفرد بنفسه يختصّ بموارده. فكون القلب جارا ذا قربى ، والجار الجنب هو النفس الطبيعى ، يصحّ تنزيله اعتباريّا بمقابلة الوجود للنصّ وقياسه عليه. غير أنّه مغرّر بمن ليس براسخ.
وأيضا فإنّ من ذكر عنه مثل ذلك لم يصرّح بأنّه المعنى المقصود من الآية لدى الخطاب ، بل أجراه مجراه وسكت عن كونه هو المراد. (٢)
أي لم يجعله تفسيرا للآية ، حتّى يكون تفسيرا بالرأي ، بل أجراه مجرى تداعي المعاني حسب البيان الآتي.
التأويل عند أرباب القلوب
للتأويل عند أرباب القلوب الواعية حديث طريف يختلف عن تأويلات الباطنيّة غير المبتنية على أساس معقول.
إنّ أهل التحقيق من أصحاب العرفان الصوفيّ يقرّون تفسير أهل الشريعة ، في الأخذ بظاهر القرآن ويرونه الأصل في تنزيله ، سوى أنّ لهم في كلام الله مذاقات عرفانيّة رقيقة لا يمكنهم إغفالها ، لأنّها بمثابة واردات أو هواتف هي سوانح ملكوتيّة قدسيّة ، تفاض على القلوب الواعية.
هذا تفسير كشف الأسرار للمولى أبي الفضل رشيد الدين الميبدي تفصيلا وتبيينا لتفسير العارف السالك الخواجا عبد الله الأنصاري ، تراه جمع بين الظاهر والباطن كلّا على حدّه. يفسّر
__________________
(١) أي هذا الفهم الباطني للآية مستفاد من أمر خارج عن إطار القرآن ، أمثال أسباب النزول الواردة في النقل ، كما روي في معنى قوله تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أنّ «ألف شهر» هي مدّة الدولة الأمويّة ، لأنّها مكثت ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر. وأنّ ذلك تسلية للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث رأى أنّ بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة فاغتمّ ، فجاءت الآية تسلية له فسرى عنه. قال الشيخ عبد الله درّاز ـ في الهامش ـ : فهذا المعنى لم يؤخذ من القرآن ذاته ، بل أخذ من الخارج ، والواقع في ذاته يصادقه بمصادفة مطابقة العدد. واللفظ لا ينبو عنه. (الموافقات ٣ : ٤٠٤).
(٢) المصدر : ٤٠٣ ـ ٤٠٥. وقد وقع بعض التصرّف شرحا وإيضاحا لما لطف ودقّ من المعاني.