الوضع في التفسير
كان قد تناول جماعة للدسّ في الحديث والتفسير ، نزولا مع رغبات ساقطة وأهداف أخرى شرحناها (١) وكانوا قد أورثوا الأمّة أضرارا فادحة ربما لا تنجبر مع الأيام ، إذ قد قلبوا الحقائق وطعنوا في التشويه والتزوير الشيء الكثير.
وحتّى قال الإمام أحمد : ثلاث كتب لا أصل لها : المغازي والملاحم والتفسير. قال المحقّقون من أصحابه : يعني أنّ الغالب على هذه الكتب أن ليس لها أسانيد صحاح متّصلة الإسناد (٢).
وهذا الإمام محمّد بن إدريس الشافعي يقول : لم يثبت عن ابن عبّاس في التفسير إلّا شبيه بمائة حديث (٣). مراده : عدم صحّة الإسناد إليه في الكثير من المرويّات عنه.
وهذا الكلام وإن كان مبالغا فيه ، إلّا أنّه يدلّنا على كثرة ما دخل في التفسير من أحاديث مكذوبة مصطنعة ، فضلا عن الضعاف والمراسيل.
وقد عقد أبو عبد الله القرطبي في مقدّمة تفسيره بابا للتنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره. قال فيه : لا التفات لما وضعه الواضعون واختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة والأخبار الباطلة في فضل سور القرآن وغير ذلك من فضائل الأعمال ، قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغراضهم ومقاصدهم في ارتكابها. ثمّ أخذ في شرح تلك المقاصد والآثار السيّئة التي ترتّبت على تلك المساوئ (٤).
* هذا أحمد بن عبد الله الجويباري ـ في عصر شيوخ الأئمّة (٥) ـ من أهل هرات ، قال أبو حاتم محمّد بن حبّان : دجّال من الدجاجلة ، كذّاب ، يروي عن ابن عيينة ووكيع وأبي ضمرة وغيرهم من أصحاب الحديث ، ويضع عليهم ما لم يحدّثوا. وقد روى عن هؤلاء الأئمّة ألوف حديث ما حدّثوا بشيء منها ، كان يضعها عليهم (٦).
قال ابن عديّ : كان يضع الحديث لابن كرّام (٧) ، على ما يريده ، وكان ابن كرّام يخرجها في كتبه
__________________
(١) التمهيد ٩ : ٣٧ ـ ٢١٤. عند الكلام عن آفات التفسير بالمأثور.
(٢) الإتقان ٤ : ١٨٠.
(٣) المصدر : ٢٠٩.
(٤) راجع : القرطبي ١ : ٧٨.
(٥) المغني في الضعفاء ، للذهبي ١ : ٤٣ / ٣٢٢.
(٦) كتاب المجروحين ١ : ١٤٢.
(٧) هو : أبو عبد الله محمّد بن كرّام. كان صاحب بدعة ومذهب في التجسيم والتشبيه. قال عنه الشهرستاني : ونبغ رجل متنمّس بالزهد