[م / ٥٩] وفي حديث آخر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (١).
إلى غيرها من أحاديث وهي كثيرة ، أوردناها في باب التفسير بالرأي وفصّلنا الكلام فيها من كتابنا «التفسير والمفسّرون» (٢).
قال أبو عبد الله القرطبي : إنّما يحمل النهي على أحد وجهين :
أحدهما : أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه ، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه وهواه ، ليحتجّ على تصحيح غرضه ، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى ، لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.
وهذا النوع يكون تارة مع العلم ، كالذي يحتجّ ببعض الآيات على تصحيح بدعته ، وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك ، ولكن مقصوده أن يلبّس على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل ، وذلك إذا كانت الآية محتملة ، فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ، ويرجّح ذلك الجانب برأيه وهواه ، فيكون قد فسّر برأيه ، أي رأيه حمله على ذلك التفسير ، ولو لا رأيه لما كان يترجّح عنده ذلك الوجه.
الوجه الثاني : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربيّة ، من غير استظهار بالسماع والنقل ، فيما يتعلّق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة ، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير. فمن لم يحكم ظاهر التفسير ، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرّد فهم العربيّة ، كثر غلطه ودخل في زمرة من فسّر القرآن بالرأي (٣).
[م / ٦٠] قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «من استبدّ برأيه هلك» (٤).
لسان القرآن
لا شكّ أنّ لسان القرآن ، الذي خاطب به نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هو لسان قومه العرب الذين عاصرهم وعاش في أوساطهم. (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)(٥). (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ
__________________
(١) أبو داوود ٢ : ١٧٧ / ٣٦٥٢.
(٢) راجع : التمهيد ٩ : ٥٦ ـ ٧٤.
(٣) القرطبي ١ : ٣٢ ـ ٣٤ ، في المقدّمة. نقلا باختصار عن الإمام أبي حامد الغزالي في إحياء العلوم ١ : ٢٩٨ (ط : البابي ، مصر ، ١٩٣٩ م). وراجع : التمهيد ٩ : ٦٠ ـ ٦١.
(٤) نهج البلاغة ٤ : ٤١ ، الحكمة ١٦١.
(٥) إبراهيم ١٤ : ٤.