بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(١). (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(٢) ، (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٣).
[م / ٦١] روى أبو الفتح الكراجكي (ت ٤٤٩) حديثا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الله أنزل القرآن عليّ بكلام العرب والمتعارف في لغتها» (٤).
غير أنّ السؤال هو : أنّ لسان القرآن العربي ، هل هو لسان المتفاهم العامّ (العرف العامّ) ليكون عامّة الناس هم المخاطبين بخطابات القرآن ، وأنّهم هم المقصودون بلحن الخطاب ، ولو في ظاهر التنزيل وفي المرحلة الأولى في إفادة الكلام أم هم أولئك المتعمّقون من أصحاب النظر والاستدلال ، دون من سواهم من سائر الناس؟!
لكنّا إذا عرفنا أنّ لإفادة الكلام مراحل ، من ظاهر سطحيّ وباطن عمقيّ ، ولكلّ من ذلك مراتب حسب مستوى فهم السامعين ، سواء الحاضر منهم المعاصر أم الغائب النائي أو الآتي على امتداد الزمان. إذا عرفنا ذلك ، انحلّت لدينا مشكلة اختلاف مستويات المخاطبين في الخطاب العامّ وكان لكلّ (من مختلف طبقات الناس) حظّه من إفادات الكلام المتلاحقة.
الأمر الذي أكّد عليه رسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم من أوّل يومه ، مصرّحا بأنّ للقرآن ظهرا وبطنا أي دلالات جليّة بحسب ظاهر التنزيل ، وأخرى دلالات خفيّة باطنة ، وإنّما تستجلى بعد التدبّر والإمعان في التأويل. ومن ثمّ جاء الأمر بالتدبّر وتعميق النظر فيه ، وكذا التعقّل والتفكّر في مطاويه ، فكلّما كان التدبّر أعمق ، كان المعنى المتحصّل منه أفخم وأوسع وأشمل ، حتّى يبلغ الآفاق.
[م / ٦٢] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «له ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ... لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه» (٥).
[م / ٦٣] وورد : أنّ القرآن على أربعة وجوه : على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق ، فالعبارة (الظاهرة بحسب التعبير اللفظي) للعوامّ ، أي لسائر الناس ممّن كانوا على المستوى العامّ. أمّا الإشارات والنكات الدقيقة ، والتي هي بحاجة إلى تدبّر وتعمّق وتفكير ، فهي للخواصّ ، أي
__________________
(١) الدخان ٤٤ : ٥٨.
(٢) القمر ٥٤ : ١٧.
(٣) الزمر ٣٩ : ٢٨.
(٤) كنز الفوائد : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ؛ البحار ٩ : ٢٨٢ / ٦.
(٥) الكافي ٢ : ٥٩٩ / ٢.