وفي كلام العرب شواهد على الرمز بالحروف ، وليس بالأمر الغريب. قال الشاعر (١) :
قلنا لها : قفي لنا ، قالت : قاف |
|
لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف |
فقد أرادت بقولها : قاف «قد وقفت» فأشارت إليه رمزا بإظهار حرف القاف كناية عن تمام الكلمة. وكذا رمزوا عن النحاس بحرف «ص» ، وعن النقد بحرف «ع» ، وعن السحاب بحرف «غ». وهكذا سمّوا بالحروف أشياء ، منها جبل قاف ، والحوت نونا. وقد يسمّون الأعلام بها أيضا ، كما سمّوا والد حارثة «لام» فقالوا : حارثة بن لام.
وممّا يشهد لذلك أيضا نقصهم الكلمة حروفا ليكون الباقي دلالة عليه ، كما في الترخيم ، في مثل «ياحار» بحذف «الثاء». و «يا مال» بحذف «الكاف» : وكقول راجزهم :
ما للظليم عال كيف لا يا |
|
ينقد عنه جلده إذا يا |
وأراد بالياء ياء المضارعة ، رمزا إلى قوله : يفعل. أي «لا يفعل» و «إذا يفعل».
وقال الآخر :
بالخير خيرا «تا» وإن شرّا «فا» |
|
ولا اريد الشرّ إلّا أن «تا» |
فالتاء إشارة إلى قول «تشاء» وبالفاء فاء الجزاء. والمعنى :
بالخير خيرا تشاء وإن شرّا فشرّا |
|
ولا اريد الشرّ إلّا أن تشاء |
قال أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري : والشواهد على ذلك كثيرة يطول باستيعابها الكتاب (٢).
ما قيل في حلّ تلك الرموز
قيل : إنها بحساب الأبجد. وأول من تنبّه لذلك يهود المدينة ، على حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك :
[م / ١٩٣] لمّا نزلت السورة الكبرى «البقرة» بالمدينة مفتتحة بقوله تعالى : (الم) جاءت جماعة من أحبارهم ـ قيل : هم حيّي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب ونفر آخرون ـ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : ما علمنا نبيّا أخبر امّته بمدّة ملكهم بأقلّ ممّا أخبرتهم به. وهي إحدى وسبعون سنة ، على
__________________
(١) في تفسير الخازن ١ : ٢٣ نسبه إلى الراجز ، وهو الأغلب بن عمرو العجلي من الشعراء المخضرمين المعمّرين. مات في وقعة نهاوند في جملة من توجّه من الكوفة مع سعد سنة ٢١. وهو أول من رجز الأراجيز الطوال. ومن ثمّ سمّي بالراجز. والإيجاف : الإسراع في السير.
(٢) الطبري ١ : ٥٣.