أسلوب القرآن
أسلوب القرآن أسلوب خطاب لا أسلوب كتاب! هناك الفارق كبير بين أسلوب الخطابة وأسلوب الكتابة.
فأسلوب الكتابة يستدعي انسجاما والتئاما بين التعابير والجمل والتراكيب ، واتّساقا ظاهرا في نمط البيان. وليكون مركّزا على صلب موضوع البحث ، من غير خروج ولا التفات في صياغة الكلام ، ولا يعتمد سوى القرائن الحافّة المتّصلة ، ليدلّ عليها مساق الكلام. والعمدة : اتّجاه سياقة التعبير نحو عامّة القارئين ، الموجودين والغائبين ومن يأتي على مرّ العصور ، ليكون الغالب على صياغة الجمل والتراكيب الكلاميّة ، أن تكون على نحو القضايا الحقيقيّة ، الجارية مع الأبد ، والشاملة لكلّ من تلبّس بوصف الموضوع على العموم.
اللهم إلّا أن تكون الكتابة شخصيّة في نحو الرسائل المتبادلة بين الناس.
أمّا أسلوب الخطابة فيختلف عن ذلك تماما ، حيث المراعى فيه هي حالة المخاطبين المشافهين ممّن شهد المحضر فحسب ، ويجوز الاعتماد على قرائن منفصلة عن الكلام ، تكون حاضرة ومشهودة لدى المشافهين.
كما ويكثر في أسلوب الخطابة ، الالتفات والتنقّل والمداورة في لحن البيان ، الأمر الذي لا ينبغي في كتابة العلوم والمعارف على أيّ حال.
ففي قوله تعالى ـ حكاية عن العزيز ـ : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ)(١). مداورة في لحن الخطاب ، تبدو عجيبة ، فهو في كلام واحد ، يوجّه خطابه أوّلا إلى يوسف يستمليه ويسترعي جانبه ، ثمّ إلى زليخا يعاتبها ويوبّخها ، اعتمادا على قرينة المشافهة والخطاب.
كما وقد يفاجأ بالكلام عن شخص أو أشخاص لا سابقة لذكرهم في المقال.
قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) إلى قوله : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى. وَهُوَ يَخْشى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)(٢).
ففي هذه الآيات ملامة وعتاب ، ملامة لمن عبس بوجهه ولوى بجانبه ، عند ما جاءه ضرير
__________________
(١) يوسف ١٢ : ٢٩.
(٢) عبس ٨٠ : ١ ـ ١٠.