فقير. وعتاب لمن تلهّى أي تغافل عن التوجّه إلى مؤمن مستهد هو جدير بالاهتمام. إذن لمن تلك الملامة ، ولمن هذا العتاب؟
لا دلالة في ظاهر التعبير على شيء من ذلك وإنّما هو شيء كان يعرفه شهود القضيّة لا غير.
غير أنّ لحن الآية يدلّنا على أنّهما شخصان وأنّ الملوم غير المعاتب. ذلك أنّ الملامة وقعت على أمر كان صدر عن اختيار وعن قصد غير جميل. ذلك أنّ العبوس والتولّي ، كلاهما عمل اختياري صادر عن سوء طويّة ، الأمر الذي تأباه ساحة قدسيّة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أمّا التلهّي فهو التغافل ، أي عدم توجّه النفس ، بسبب انشغالها بأمر أهمّ ، الأمر الذي يجوز صدوره من نبيّ كريم ، جادّ في تبليغ رسالته.
[م / ٦٤] روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جاءه نفر من أشراف قريش ، منهم : عتبة بن ربيعة وأبيّ وأميّة ابنا خلف وفيهم أبو جهل وجماعة. وكان عثمان بن عفّان قد رافقهم وقد أسلم من قبل.
فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يناجيهم ، يدعوهم إلى الإسلام ، ويرجو إخضاعهم وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم ملتهيا بهم منشغلا عمّن سواهم.
وفي هذا الأثناء أتاه عبد الله بن أمّ مكتوم ـ وكان ضريرا من بيت وضيع ـ وجعل يكرّر القول : أقرئني يا رسول الله! علّمني ممّا علّمك الله! ويناديه بصوت عال ملحّا عليه ، وهو لا يدري أنّ النبيّ منشغل عنه.
غير أنّ الرجل الأموي ـ وكان حاضر المجلس ـ امتعص من إلحاحه وانزعج انزعاجا بالغا ، في هذه المزاحمة المفاجئة ، ولعلّ الصناديد الأشراف تزعجهم غوغاء النداء فيغادرون المحضر. ولذلك تقذّر منه وعبس وتولّى بوجهه عنه انزجارا من سوء المشهد.
أمّا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فظلّ عاكفا بكلّ وجوده على نصح القوم وإرشادهم إلى الإسلام ، منذهلا عمّا يجري هناك. ومن ثمّ عوتب على مثل هذا التغافل ، والذي أدّى إلى هتك مؤمن غيور ، بسبب ذلك الامتعاص والتولّي الذي أبداه ذلك الرجل الأموي بمنظر ومشهد الحضور من مسلمين وغيرهم.
إذن فكانت الملامة موجّهة إلى ذلك الرجل الأمويّ الذي كاد يهين بموضع رجل الإيمان في تلك الصورة البذيئة.
أمّا العتاب محضا فموجّه إلى النبيّ نفسه بتغافله عمّا يجري حوله ـ ولو على حين ـ ومهما كانت الغاية ـ التي شغلته ـ خطيرة. فإنّ حرمة المؤمن فوق كلّ شيء.