[م / ٦٥] ومن ثمّ كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّما التقى بابن أمّ مكتوم ، يقول له : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي» (١).
[م / ٦٦] وفي حديث الإمام الصادق عليهالسلام : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رآه قال : مرحبا مرحبا ، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا» (٢).
ففي مثل مداورة في الحديث كهذه ، عن ملامة ، فإلى عتاب ، وبصورة إبهام في ذات المقال ، اعتمادا على مشاهد الحضور ، هي من اختصاص فنّ الخطاب ، ولا تحسن في الكتاب.
كما أنّ التنقّل المفاجئ أثناء الكلام ، من موضوع إلى آخر ، من غير مناسبة ظاهرة ، أو لمناسبات بعيدة جدّا ، هو من ميزات أسلوب الخطاب ، ويأباه أسلوب الكتاب ، ولا سيّما أثناء عقد واحد من فصول الكلام.
والتنقّل المفاجئ ، في القرآن كثير.
ففي سورة القيامة ، يبتدئ الكلام عن الساعة ويوم الحساب ، وينتهي إلى قوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ...) (الآيات : ١ ـ ١٥). وينتقل فجأة إلى الكلام عن نزول القرآن حيث كان النبيّ يتعجّل في قراءته على كتّاب الوحي ، فمنع من ذلك : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (الآيات : ١٦ ـ ١٩).
وبعد ذلك ينتقل الكلام إلى لذائذ الحياة في الدنيا والآخرة ، وعن شدائد ذلك اليوم العصيب (الآيات : ٢٠ ـ ٣٠).
وإذا هو ـ في نهاية السورة ـ يتكلّم عن كافر عنود : أبي جهل الذي طالما قام في وجه الدعوة وكافحها أشدّ كفاح : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى. وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) (الآيات : ٣١ ـ ٤٠).
فمثل هذا الكرّ والفرّ والمداورة في الكلام ، إنّما يتناسب مع أسلوب الخطاب والمشافهة ، ولا يلتئم مع أسلوب الكتابة وترقيم الكتاب ، الأمر الذي تجده في القرآن الكريم بكثرة وافرة.
وجهة أخرى هو الحديث عن حادث أو عادة سيّئة أو حسنة ، كانت رائجة معروفة ، تحدّث عنها القرآن من غير تبيين سابق ، إيكالا على المعهود المعلوم لدى المشافهين ، الأمر الذي لا يجوز
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٢٦٦.
(٢) المصدر.