في الكتابة إذا كانت للعموم.
قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(١).
قد أحاطت بهذه الآية ـ على تفاصيلها ـ هالة من الإبهام ، لمن لم يكن له عهد بتلك العادة السيّئة التي كان يرتكبها طغاة العرب في التحوير بالأشهر الحرم.
فجاءت الآية تشنّعها للحدّ من تلك المظلمة الفضيعة ، الأمر الذي يعرف بمراجعة تاريخ العرب المعاصر لنزول القرآن وما كانت عليه من عادات سوء.
ومن ثمّ كان لمعرفة أسباب النزول القدح المعلّى في الوصول إلى مفاهيم القرآن الحكيمة ، الأمر الذي تأباه طبيعة الكتاب.
وقوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)(٢).
على هذه الآية غطاء من إبهام : كيف نفى الإثم عن السعي بين الصفا والمروة ، الدالّ على الرخصة في الفعل محضا ، مع ضرورة التكليف به إلزاما؟!
هذا والحال أنّ الآية وقعت غريبة عن آيات سابقة ولاحقة لها ، فلا قرينة على رفع الإبهام ، مصحوبة مع الكلام!!
فلا محالة من الرجوع إلى سبب النزول : حيث تحرّج المسلمون من السعي ـ في عمرة القضاء ـ بعد أن أعاد المشركون أصنامهم على الجبلين ، فنزلت الآية رفعا للحرج ودفعا لتوهّم الحظر (٣).
الأمر الذي لا يجوز في الكتاب ، ممّا يجوز في الخطاب ، اعتمادا على مشاهد معلوم الحال.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(٤).
__________________
(١) التوبة ٩ : ٣٧.
(٢) البقرة ٢ : ١٥٨.
(٣) راجع : مجمع البيان ١ : ٤٤٥.
(٤) آل عمران ٣ : ١٧٣.