هذا وصف للمؤمنين بعد مرجعهم من غزوة أحد ، وقد أضنّتهم الحرب ، فاستنهضهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين سمع عزيمة أبي سفيان على الرجوع لقتال المسلمين لغرض الاستئصال.
[م / ٦٧] وقيل في غزوة بدر الصغرى ، كان صلىاللهعليهوآلهوسلم واعد أبا سفيان أن يعاوده القتال بعد أحد بعام ، فخرج أبو سفيان في أهل مكّة حتّى بلغ عسفان ، فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له الرجوع ، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا ، فقال له أبو سفيان : إنّي واعدت محمّدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر ، وهذا عام جدب ولا يصلحنا إلّا عام نرعي فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن أرجع ، وأكره أن يخرج محمّد ولا أخرج أنا ، فيزيدهم ذلك جرأة. فالحق بالمدينة فثبّطهم ولك عندي عشرة من الإبل. فأتى نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهّزون لميعاد أبي سفيان. فقال لهم : ما هذا بالرأي ، أتوكم في دياركم وقراركم ، فلم يفلت منكم أحد!
فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي». فخرج ومعه سبعون راكبا يقولون : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، فخرجوا حتّى وافوا سوق بدر ـ وكان أبو سفيان ومعه ألفا رجل قد ولّى دبره ـ وكانت معهم نفقات وتجارات ، فباعوا واشتروا أدما وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
فعلى هذه الرواية يكون المراد من «الناس» الذين حاولوا الفشل بالمسلمين ، هم نعيم بن مسعود وركب من عبد قيس دسّهم أبو سفيان لتجبين المسلمين.
وأمّا «الناس» الذين قد جمعوا الجموع ، فهم أبو سفيان وأعوانه (١).
هكذا سرد حوادث يهمل فيها أسماء أبطالها ، إنّما يحسن إذا كانوا معروفين عند مشافهة الخطاب ، لا فيما إذا أريد تسجيلها ضمن كتاب.
وأمثال ذلك في القرآن كثير في كثير ، الأمر الذي يؤكّد على أنّ اسلوبه أسلوب خطاب لا أسلوب كتاب.
وجانب أهمّ نلمسه في القرآن بكثرة ، هو جانب حديثه عن قضايا تبدو ـ في ظاهرها حسب التنزيل ـ شخصيّة ، ترجع إلى أناس معهودين عند الخطاب ، وليست من القضايا الحقيقيّة العامّة ذوات الشمول.
__________________
(١) راجع : المنار ٤ : ٢٣٨ ـ ٢٤٠. ومجمع البيان ٢ : ٤٤٩.