منها من خير أو شرّ» (١).
وعليه فللقرآن ظهر حسب التنزيل ، وبطن حسب التأويل. وإنّما عبّر عنه بالبطن ، لأنّ هذا المفهوم العامّ إنّما استخلص من فحوى الآية استخلاصا ، بإعفاء جوانب الآية المرتبطة بالمناسبات ، والتي كادت تجعل الآية خاصّة بها حسب ظاهر التنزيل ، ليجلو وجه الآية العامّ بعد إلغاء الخصوصيّات الساترة ، فقد كان بطن هذا المعنى العامّ لمن قصر نظره على ملابسات الآية حسب تنزيلها. أمّا الذي تعمّق النظر وتدبّر ، فيجد الآية ذات مفهوم واسع سعة الآفاق ، الأمر الذي يجعل من القرآن ـ في جميع آيه ـ ذات رسالة خالدة.
خذ لذلك مثلا قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢) نزلت بشأن المشركين حيث تشكيكهم في موضع الرسول : هل يصحّ أن يكون من البشر؟
فالآية بمفادها الظاهري ـ حسب تنزيلها ـ نزلت بشأن إزاحة علّة المشركين بالذّات. لكنّها بفحواها العامّ ، تعمّ كلّ جاهل بأصول الديانة أو فروعها ، فعليه أن يراجع العلماء في ذلك. وهذه هي رسالة الآية الخالدة ومن ثمّ فهي مستند عقلاني ـ وحياني يحتجّ بها العلماء في كافّة الأصقاع والأعصار على ضرورة رجوع العامّة إلى ذوي الاختصاص في جميع المعارف والعلوم.
التأويل من المدلول الالتزامي
وليعلم أنّ المدلول بالتأويل ـ المعبّر عنه بالبطن ـ من المدلول الالتزامي للكلام لزوما غير بيّن (٣). وعليه فالتأويل تبيين للمعنى الذي تستهدفه الآية بدلالة خفيّة هي بحاجة إلى تعميق
__________________
(١) العيّاشي ١ : ٢١ / ٧.
(٢) النحل ١٦ : ٤٣.
(٣) للدلالة اللفظيّة أنحاء ثلاثة : دلالة مطابقيّة على تمام الموضوع له. ودلالة تضمّنيّة على كلّ من أبعاض الموضوع له. ودلالة التزاميّة على لازم الموضوع له الخارج عن ذاته كدلالة الشمس على الضوء والحرارة.
والدلالة الالتزاميّة على نحوين : دلالة على لازم بيّن اللزوم ودلالة على لازم غير بيّن. والبيّن اللزوم على قسمين : بيّن بالمعنى الأخصّ وبيّن بالمعنى الأعمّ ـ على ما فصّله علماء الميزان ـ.
والبيّن الأخصّ : ما يلزم من تصوّر ذات الملزوم محضا تصوّر اللازم. كتصوّر الضوء عند تصوّر الشمس.
والبيّن الأعمّ : ما يلزم من تصوّر اللازم مع تصوّر الملزوم وتصوّر النسبة بينهما الجزم باللزوم. كتصوّر الزوجيّة للأربعة. أو تصوّر أنّ