(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١).
وإن اريد به الحجب عن العامّة واختصاص علمه بأولياء الله المخلصين فهذا مردّه إلى القول التالي :
٢ ـ إنّها الرموز بين الله ورسوله ، لا يمسّه إلّا المطهّرون ، الامناء على وحيه. قال أرباب القلوب : التخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن المحابّ ، فهو سرّ الحبيب مع الحبيب ، بحيث لا يطّلع عليه الرقيب :
بين المحبّين سرّ ليس يفشيه |
|
قول ولا قلم للخلق يحكيه |
[م / ١٩١] وقد روى السيد رضيّ الدين ابن طاووس عن «حقائق التفسير» لأبي عبد الرحمان محمّد بن الحسين السلمي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام قال : الم ، رمز وإشارة بينه تعالى وبين حبيبه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن لا يطّلع عليه سواهما ، أخرجه بحروف بعّده عن درك الأغيار ، وظهر السرّ بينهما لا غير (٢).
[م / ١٩٢] وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ابن حيّان في التفسير عن داوود بن هند ، قال : كنت أسأل الشعبي عن فواتح السّور ، قال : يا داوود! إنّ لكلّ كتاب سرّا ، وإنّ سرّ هذا القرآن فواتح السّور ، فدعها وسل عمّا بدا لك (٣).
قال الحجّة البلاغي : ولا غرو أن يكون في القرآن ما هو محاورة رمزيّة بأسرار خاصّة ، مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وامناء الوحي عليهمالسلام (٤).
قال ابن بابويه أبو جعفر الصدوق : والعلّة الاخرى في إنزال أوائل هذه السور بالحروف المقطّعة ليخصّ بمعرفتها أهل العصمة والطهارة ، فيقيمون بها الدلائل ، ويظهرون بها المعاجز. ولو عمّ الله تعالى بمعرفتها جميع الناس لكان في ذلك ضدّ الحكمة وفساد التدبير (٥).
وهذا هو اختيار جلّ أهل النظر في التفسير.
__________________
(١) سورة ص ٣٨ : ٢٩.
(٢) سعد السعود : ٢١٧ ؛ البحار : ٨٩ / ٣٨٤ والموجود في المطبوعة أخيرا : وقيل : «الم» سرّ الحقّ إلى حبيبه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يعلم سرّ الحبيب. ألا تراه يقول : «لو تعلمون ما أعلم» أي من حقائق سرّ الحقّ. وهو الحروف المفردة في الكتاب. (تفسير السلمي ١ : ٤٦).
(٣) الدرّ ١ : ٥٩.
(٤) آلاء الرحمان ١ : ٦٤.
(٥) كمال الدين وتمام النعمة : ٦٤٠ ؛ البحار ٨٩ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ١٤.