[م / ٣٣] ولقد قال أبو بكر : أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم (١).
[م / ٣٤] وفي الخبر : «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (٢) ، وما أشبه ذلك من التحذيرات. وربما ألمّ الغزّالي بشيء منه في «الإحياء» (٣) وغيره (٤) ، وهو مزلّة قدم لمن لم يعرف مقاصد القوم.
قال : فإنّ الناس في أمثال هذه الأشياء بين قائلين : منهم من يصدّق به ويأخذه على ظاهره ، ويعتقد أنّ ذلك هو مراد الله تعالى من كتابه ، وإذا عارضه ما ينقل في كتب التفسير على خلافه فربما كذّب به أو أشكل عليه.
ومنهم من يكذّب به على الإطلاق ؛ ويرى أنّه تقوّل وبهتان ، مثل ما تقدّم من تفسير الباطنيّة ومن حذا حذوهم.
قال : وكلا الطريقين فيه ميل عن الإنصاف (أي إفراط أو تفريط).
قال : ولا بدّ قبل الخوض في رفع الإشكال من تقديم أصل مسلّم ، يتبيّن به ما جاء من هذا القبيل ، وهو :
أنّ الاعتبارات القرآنيّة الواردة على القلوب ، الظاهرة للبصائر ، إذا صحّت على كمال شروطها فهي على ضربين :
أحدهما : ما يكون أصل انفجاره من القرآن ويتبعه سائر الموجودات (ليكون أصل انبثاق المعاني ناشئا من القرآن ذاته ومنبعثا منه ، ثمّ يقاس عليه تلك الاعتبارات عقلانيّا).
الثاني : ما يكون أصل انفجاره من الموجودات (الاعتبارات الخارجيّة) ويتبعه الاعتبار في القرآن (أي كانت المستحسنات الذوقيّة ذات اعتبار عقلانيّ خارجيّ ، ثمّ تعرض على القرآن لاستحصال شواهد عليها منه دعما لها ، وهذا قد يكون من التفسير بالرأي وتحميلا على القرآن).
قال : فإن كان الأوّل فذلك الاعتبار صحيح ، وهو معتبر في فهم باطن القرآن من غير إشكال (لأنّه اعتبار قرآنيّ محض ومستحصل منه ذاته) وقلّما يجده إلّا من كان من أهله عملا به على نقل سليم أو اجتهاد قويم. فلا يخرجون عند الاعتبار فيه عن حدوده. ومنه ما نقل من فهم السلف
__________________
(١) الدرّ ٨ : ٤٢١.
(٢) الطبري ١ : ٥٥ بعد رقم ٦٤.
(٣) من كتاب الشكر.
(٤) في مشكاة الأنوار وكتاب جواهر القرآن (الموافقات ٣ : ٤٠٥).