هذا باطن الآية (١).
وهذا من المشكل الذي لم يرد به أثر ولا وافقه ظاهر تعبير ولا دلّ عليه دليل من خارج ، ومثله أقرب إلى ما ثبت ردّه من كلام الباطنيّة ومن شابههم (٢).
وقال ـ في قوله تعالى : (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ)(٣) ـ : الصرح : نفس الطبع. والممرّد : الهوى إذا كان غالبا ستر أنوار الهدى ، بالترك من الله تعالى العصمة لعبده (٤).
وقال ـ في قوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٥) ـ : أي قلوبهم عند إقامتهم على ما نهوا عنه ، وقد علموا أنّهم مأمورون منهيّون. قال : الإشارة في البيوت إلى القلوب ، فمنها عامرة بالذكر ، ومنها خراب بالغفلة. ومن ألهمه الله بالذكر فقد خلصه من الظلم (٦).
وفي قوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(٧) قال : حياة القلوب بالذكر.
وفي قوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٨) : مثّل الله القلب بالبحر ، والجوارح بالبرّ ، ومثّله أيضا بالأرض التي تزهي بالنبات. هذا باطنه! (٩)
وقد حمل بعضهم قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(١٠) على أنّ المساجد : القلوب تمنع بالمعاصي من ذكر الله.
ونقل في قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(١١) أنّ باطن النعلين هما الكونان : الدنيا والآخرة! فذكر عن الشبلي أنّ معنى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ :) اخلع الكلّ منك تصل إلينا بالكليّة. وعن ابن عطا : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) عن الكون فلا تنظر إليه بعد هذا الخطاب. وقال : النعل : النفس ، والوادي المقدّس : دين المرء ، أي حان وقت خلوّك من نفسك ، والقيام معنا بدينك. إلى غير ذلك ممّا لا يوجد في النقل عن السلف.
قال الشاطبي : وهذا كلّه إن صحّ نقله ، فهو خارج عمّا تفهمه العرب ، ودعوى لا دليل عليها في كونه مراد الله تعالى (١٢).
__________________
(١) تفسير التستري : ٥٣. (٢) الموافقات ٣ : ٤٠١ ـ ٤٠٢.
(٣) النمل ٢٧ : ٤٤. (٤) لم نجده في تفسيره ولا في غيره.
(٥) النمل ٢٧ : ٥٢.
(٦) تفسير التستري : ١١٦ ما أورده هنا فيه زيادة.
(٧) الروم ٣٠ : ٥٠.
(٨) الروم ٣٠ : ٤١.
(٩) لم نجده.
(١٠) البقرة ٢ : ١١٤.
(١١) طه ٢٠ : ١٢.
(١٢) أي فما ذكروه فاقد للشرطين في قبول التأويل الباطني.