نفسه ، فغلب الهوى والشهوة على العلم والعقل والبيان ونور القلب لسابق القدر. إلى آخر ما تكلّم (١).
وهذا الذي ادّعاه في الآية خلاف ما ذكره الناس من أنّ المراد النهي عن نفس الأكل لا عن سكون الهمّة لغير الله وإن كان ذلك منهيّا عنه أيضا.
ولكن له وجه يجري عليه لمن تأوّل ، فإنّ النهي وقع عن القرب لا غيره ، ولم يرد النهي عن الأكل صريحا ، فلا منافاة بين اللفظ وبين ما فسّر به.
وأيضا فلا يصحّ حمل النهي على نفس القرب مجرّدا ؛ إذ لا مناسبة فيه تظهر ، وإنّما النهي عن معنى في القرب وهو إمّا التناول والأكل ، وإمّا غيره وهو شيء ينشأ الأكل عنه ، وذلك مساكنة الهمّة ، فإنّه الأصل في تحصيل الأكل. ولا شكّ في أنّ السكون لغير الله لطلب نفع أو دفع منهيّ عنه ، فهذا التفسير له وجه ظاهر. فكأنّه يقول : لم يقع النهي عن مجرّد الأكل من حيث هو أكل ، بل عمّا ينشأ عنه الأكل من السكون لغير الله ، إذ لو انتهى لكان ساكنا لله وحده ، فلمّا لم يفعل وسكن إلى أمر في الشجرة غرّه به الشيطان ، وذلك الخلد المدّعى ، أضاف الله إليه لفظ العصيان ، ثمّ تاب عليه ، إنّه هو التوّاب الرحيم (٢).
ومن ذلك أنّه قال في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)(٣) : أي أوّل بيت وضع للناس بيت الله عزوجل بمكة ، هذا هو الظاهر. وباطنها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد (٤) واقتدى بهدايته.
وهذا التفسير يحتاج إلى بيان ، فإنّ هذا المعنى لا تعرفه العرب ولا فيه من جهتها وضع مجازيّ مناسب ولا يلائمه مساق بحال (٥) ، فكيف هذا؟
والعذر عنده أنّه لم يقع فيه ما يدلّ على أنّه تفسير للقرآن (٦) فزال الإشكال. (٧)
وقال في قوله تعالى : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى :) أمّا باطنها فهو القلب. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) هو الطبيعة. (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) هو العقل المقتدي بالشريعة. (وَابْنِ السَّبِيلِ)(٨) هي الجوارح المطيعة لله عزوجل.
__________________
(١) تفسير التستري : ٢٩.
(٢) الموافقات ٣ : ٣٩٩ ـ ٤٠١.
(٣) آل عمران ٣ : ٩٦.
(٤) تفسير التستري : ٥٠.
(٥) أي فهو فاقد للشرطين المتقدّمين.
(٦) بل من قبيل تداعي المعاني وتواردها من غير أن يكون تفسيرا للكلام حسبما ننبّه.
(٧) الموافقات ٣ : ٤٠١.
(٨) النساء ٤ : ٣٦.