يعبدون أنفسهم ولا يتّخذونها أربابا.
ولكن له وجه جار على الصحّة ، وذلك أنّه لم يقل إنّ هذا هو تفسير الآية (١) ولكن أتى بما هو ندّ في الاعتبار الشرعيّ الذي شهد له القرآن من جهتين.
إحداهما : أنّ الناظر قد يأخذ من معنى الآية معنى من باب الاعتبار ، فيجريه فيما تنزل فيه ، لأنّه يجامعه في القصد أو يقاربه ؛ لأنّ حقيقة الندّ : أنّه المضادّ لندّه الجاري على مناقضته ، والنفس الأمّارة هذا شأنها ، لأنّها تأمر صاحبها بمراعاة حظوظها ، لاهية أو صادّة عن مراعاة حقوق خالقها. وهذا هو الذي يعنى به الندّ في ندّه ؛ لأنّ الأصنام نصبوها لهذا المعنى بعينه.
وشاهد صحّة هذا الاعتبار قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ)(٢) وهم لم يعبدوهم من دون الله ، ولكنّهم ائتمروا بأوامرهم ، وانتهوا عمّا نهوهم عنه كيف كان ، فما حرّموا عليهم حرّموه ، وما أباحوا لهم حلّلوه ، فقال الله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) وهذا شأن المتّبع لهوى نفسه.
والثانية : أنّ الآية وإن نزلت في أهل الأصنام ، فإنّ لأهل الإسلام فيها نظرا بالنسبة إليهم ، ألا ترى أنّ عمر بن الخطّاب قال لبعض من توسّع في الدنيا من أهل الإيمان : أين تذهب بكم هذه الآية (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا)(٣). وكان هو يعتبر نفسه بها ، وإنّما أنزلت في الكفّار. ولهذا المعنى تقرير في العموم والخصوص (٤) ، فإذا كان كذلك صحّ التنزيل بالنسبة إلى النفس الأمّارة في الآية.
ومن المنقول عن سهل أيضا في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(٥) قال : ولم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة ، وإنّما أراد معنى مساكنة الهمّة لشيء هو غيره ، أي لا تهتمّ بشيء هو غيري. قال : فآدم لم يعتصم من الهمّة والتدبير فلحقه ما لحقه من أجل ذلك. قال : وكذلك كلّ من ادّعى ما ليس له وساكن قلبه ناظرا إلى هوى نفسه فيه ، لحقه الترك من الله ، مع ما جلبت عليه نفسه ، إلّا أن يرحمهالله فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوّه وعليها. قال : وآدم لم يعصم عن مساكنة قلبه إلى تدبير نفسه للخلود لمّا أدخل الجنّة ، ألا ترى أنّ البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به
__________________
(١) هذا وجه وجيه سوف نتعرّض له.
(٢) التوبة ٩ : ٣١.
(٣) الأحقاف ٤٦ : ٢٠. والرواية في : شعب الإيمان ٥ : ٣٤ / ٥٦٧٢ ؛ كنز العمّال ٣ : ٧١٧ / ٨٥٥٨ ؛ الحاكم ٢ : ٤٥٥.
(٤) هو قولهم : «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد».
(٥) البقرة ٢ : ٣٥.