قال الشاطبي : والقول في (الم) ليس هكذا (١) ، وأيضا فلا دليل من خارج يدلّ عليه ؛ إذ لو كان له دليل لاقتضت العادة نقله ، لأنّه من المسائل التي تتوفّر الدواعي على نقلها لو صحّ أنّه ممّا يفسّر ويقصد تفهيم معناه. ولمّا لم يثبت شيء من ذلك دلّ على أنّه من قبيل المتشابهات ؛ فإن ثبت له دليل يدلّ عليه صير إليه.
وهناك أقوال وآراء في تفسير هذه الحروف ، وكلّها غير مستندة إلى شاهد أو دليل ، وبذلك ترى هذه الأقوال مشكلة إذا سبرناها بالمسبار المتقدّم (٢).
هذا ومع إشكالها فقد اتخذها جمع من المنتسبين إلى العلم ، بل إلى الاطّلاع والكشف على حقائق الأمور ، حججا في دعاو ادّعوها على القرآن. وربّما نسبوا شيئا من ذلك إلى الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام وزعموا أنّها أصل العلوم ومنبع المكاشفات على أحوال الدنيا والآخرة ، وينسبون ذلك إلى أنّه مراد الله تعالى في خطابه للعرب الأمّيّة التي لا تعرف شيئا من ذلك. وهو إذا سلّم أنّه مراد في الجملة ، فما الدليل على أنّه مراد على كلّ حال من تركيبها بعضها ببعض ونسبتها إلى الطبائع الأربع وإلى أنّها الفاعلة في الوجود ، وأنّها مجمل كلّ مفصّل وعنصر كلّ موجود؟! ويرتّبون في ذلك ترتيبا جميعه دعاو ومحالة على الكشف والاطّلاع.
قال : ودعوى الكشف ليس بدليل في الشريعة على حال ، كما أنّه لا يعدّ دليلا في غيرها.
قال : ومن ذلك أنّه نقل عن سهل بن عبد الله (٣) في فهم القرآن أشياء مما يعدّ من باطنه. فقد ذكر عنه أنّه قال في قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً)(٤) أي أضدادا. قال : فأكبر الأضداد ، النفس الأمّارة بالسوء ، المتطلّعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من الله. (٥)
وهذا يشير إلى أنّ النفس الأمّارة داخلة تحت عموم الأنداد ، حتّى لو فصّل لكان المعنى : فلا تجعلوا لله أندادا لا صنما ولا شيطانا ولا النفس ولا كذا. وهذا مشكل الظاهر جدّا ؛ إذ كان مساق الآية ومحصول القرائن فيها يدلّ على أنّ الأنداد ، الأصنام أو غيرها ممّا كانوا يعبدون ، ولم يكونوا
__________________
(١) أي ليس في «الم» ما يشهد لهذا التفسير ، كما كان في الأمثلة الثلاثة الشعريّة.
(٢) أي تطابقا مع الشرطين لقبول التأويل والتفسير الباطني.
(٣) هو : أبو عبد الله سهل بن عبد الله التستري (ت : ٢٨٣). هو أوّل من خطّ التفسير على المنهج الصوفي الباطني وتبعه بعد ذلك أناس وتصدّى أبو بكر محمّد بن أحمد البلدي لجمع آرائه التفسيريّة غير أنّه ليس بجامع ، حيث الموجود في بطون الكتب أكثر منه.
(٤) البقرة ٢ : ٢٢.
(٥) تفسير التستري : ٢٧.