اقتنصه من السياق (١).
نعم ، السّياق قد يغيّر المعنى عن أصله اللغويّ ، إن إفراديّا أو جمليّا ، حيث الألفاظ عند التركيب تتغيّر أوجه معانيها عمّا كانت في حالة الإفراد. وهذا معنى قول الأصوليين : إنّ للجمل التركيبيّة أوضاعا تخصّها ، فيما عدا أوضاع المفردات. فإنّ للهيآت التركيبيّة أيضا أوضاعا إلى جنب أوضاع مفردات الكلم.
يقول محمّد رشيد رضا : على المدقّق أن يفسّر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله. والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه ، بأن يجمع ما تكرّر في مواضع منه ، وينظر فيه ، فربما استعمل بمعان مختلفة كلفظ «الهداية» وغيره. ويحقّق كيف يتّفق معناه مع جملة معنى الآية ، فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه. وقد قالوا : إنّ القرآن يفسّر بعضه ببعض ، وإنّ أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ ، موافقته لما سيق له من القول ، واتفاقه مع جملة المعنى وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته. (٢)
***
أمّا مستند حجّية السياق ، فهو ذاك الترابط الوثيق ، القائم بين أجزاء الكلام ، والمهيمن على الجوّ الذي تسير في ظلاله كوكبة الكلام ، الأمر الّذي يتحقق بجلاء فيما إذا كان الكلام مترابطا أجزاؤه في وحدة موضوعيّة متلائمة ، لا إذا كان منتثرا أشلاؤه ، مبعثرا هنا وهناك لا رابط بينها وثيقا.
وقد قالوا : للمتكلّم أن يلحق بكلامه ما شاء ، ما دام متكلّما أي ما شاء من قرائن ودلائل حافّة بكلامه تعيّن اتّجاه مسيرته. أمّا إذا انقطع عن الكلام ، فقد تمّت دلالته ، وليس له أن يأتي بعد ذلك من تفاسير منافية لظاهر التعبير حسبما قرّر في الدعاوي والأقارير.
وعليه فما وجه حجّيّة دلالة السياق في القرآن ، وقد نزل أجزاء متفرّقة وفي مناسبات مختلفة؟!
نعم يتحقّق السياق في آية أو آيات نزلن معا ، وليس في جميع الآيات وهنّ نزلن في مقاطع أثناء السور!!
هذا صحيح ، فلا سياق إلّا في كلّ مجموعة من تلك المقاطع ، لا مجموعة آيات السورة ، فكيف
__________________
(١) المصدر ٢ : ١٧٢ ، النوع ٤١ ، فيما يجب على المفسّر معرفته.
(٢) المنار ١ : ٢٢.