بآيات من سور غيرها؟!
***
لكن هناك شيء يجب أن لا نتغافل عنه ، وهو : ما إذا عرفنا من دأب متكلّم ، أنّ سياقة كلامه متى خطب أو كتب ، ذات أسلوب خاصّ ، لمسناه من صميم تعابيره أو صرّح به خبير بصير ، فهذا يمكن الاتّكال على أساليبه التي دأب عليها ولمسناها عن يقين.
وهكذا لو عرفنا منه الاتّجاه نحو مرمى خاصّ ، في متنوّع كلامه ومختلف مواقفه من خطاب وعتاب. فهذا أيضا يجوز الاعتماد على أسلوبه العامّ ، في سبيل فهم مراداته من متعدّد أقواله ، لأنّها جميعا مركّزة حول محور خاصّ وإن تعدّدت المواقف. فتلك الوحدة الموضوعيّة ، هي التي ربطت متنوّع كلامه ، ليصبح المجموع في حوزة واحدة محيطة بالأطراف. الأمر الذي أكّد عليه علماء التفسير في مجموعة آيات كلّ سورة ، بل وفي مجموعة آيات القرآن كلّه.
قال تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ)(١).
قوله : «متشابها» أي يشبه بعضه بعضا. من غير ما اختلاف في التعبير والأسلوب وفي نسق البيان ولحن الخطاب.
وقوله : («مَثانِيَ) جمع مثنيّة بمعنى المعطوفة ، لانعطاف بعض آيه على بعض ، ورجوع بعضه إلى بعض ، بحيث يتبيّن بعضها من بعض ويشهد بعضها على بعض من غير اختلاف يؤدّي إلى دفع بعضه ببعض أو يناقض بعضه بعضا ، لا في الفحوى ولا في المؤدّى ، بل ولا في الأسلوب ولحن البيان. قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(٢).
نعم كان القرآن في مجموعه وحدة متماسكة الأجزاء متضامنة الأشلاء ، في تراصّ وتناسق ووئام وانسجام تامّ ، لا تفرقة بين أبعاضه ولا اختلاف بين أنحاء آياته. (كِتاباً مُتَشابِهاً :) متماثلا أساليب بيانه ومتناسبا ألحان خطابه ، يجري أوّله على آخره ، وآخره على أوسطه ، على نمط واحد في الأداء والإيفاء. فكان القرآن ـ على مختلف مطالبه ومتنوّع مقاصده ـ ذا سياق واحد من البدء فإلى الختم. ومن ثمّ :
[م / ٧٣] كان «يشهد بعضه على بعض ، وينطق بعضه ببعض» ، كما قال الإمام أمير المؤمنين ـ
__________________
(١) الزّمر ٣٩ : ٢٣.
(٢) النساء ٤ : ٨٢.