عليه صلوات المصلّين ـ (١).
هذا بالنسبة إلى ذات القرآن نفسه وفي مجموعة آياته الكريمة ، من البدء إلى الختم ، كان ذا سياق واحد وتناسق فارد.
وهكذا في مجموعة آيات كلّ سورة ، حيث الوحدة الموضوعيّة لكلّ سورة بذاتها ، كانت هي الجامعة لشتات مواضيعها والكافلة لجمع شملها.
وذكرنا عند البحث عن التناسب القائم في كلّ سورة لوحدها : أنّ لكلّ سورة هدفا خاصّا أو أهدافا خاصّة مترابطة تستهدفها لغرض الإيفاء بها وأداء ما فيها من رسالة بالذات ، الأمر الذي يوجّه مصير انتخابها في كيفيّة لحن الأداء وفي كمّيّة عدد الآيات. فما لم تستوف الهدف لم تكتمل السورة ، قصرت أم طالت. وهكذا اختلاف لهجاتها من شديدة فمعتدلة وإلى ليّنة خفيفة. فلا بدّ من حكمة مقتضية لهذا التنويع في العدد واللحن ، لأنّه من صنع عليم حكيم.
ومن ثمّ فمن الضروري ـ بمقتضى الحكمة ـ أن تشتمل كلّ سورة على نظام وسياق خاصّ ، يستوعب تمام السورة من مفتتحها حتّى الختام ، وهذا هو الذي اصطلحوا عليه من الوحدة الموضوعيّة التي تحتضنها كلّ سورة بالذات.
إذن فكلّ سورة لوحدها كان لها سياقها الخاصّ ، قد شمل السورة كلّها على نسق واحد وعلى نمط واحد ، فصحّ الاستناد إليه في آية آية منها جميعا على سواء.
وقد يتشكّك البعض في الأخذ بالسياق ، بعد عدم الثقة بالنظم القائم بين آيات كلّ سورة ، فلعلّها تغيّرت عن محالّها وحصل فيها تقديم وتأخير ، ولا سيّما إذا قلنا بأنّ الترتيب القائم بين السور وكذا بين الآيات ، أمر حصل على يد الصحابة ، وربما جهلوا أو غفلوا عن موضع آية بالذات وسجّلت في غير موضعها الأصل ، قالوا : كما هو المحتمل في لفيف من آيات ، تبدو غير متناسبة مع موضعها الخاصّ.
لكن لا موضع لهذا التشكيك بعد أن ثبت أنّ النظم القائم بين آيات كلّ سورة ، هو النظم الطبيعي حسب النزول ، وإن حصل فيه تغيير ـ أحيانا ـ فبأمر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن غير أن يكون لأحد سواه يد في نظمها واتّساقها. ومن ثمّ فمن الضروري هو الالتزام بأنّ النظم القائم بين الآيات وترتيبها
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ : ١٧ ، الخطبة ١٣٣.