توقيفي محضا ، لا يجوز مسّها على أيّ حال (١).
أمّا ترتيب السور فقد حصل بعد وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى يد صحابته الكبار. ولا مساس له بمسألة السياق كما لا يخفى.
إذن فأصالة السياق ـ حسب النظم القائم بين آيات السّور ـ هي المحكّمة وعليها المعوّل في الاستناد والاستنباط.
وهناك جانب آخر من السياق ولعلّه أهمّ ، وهو : جانب سياق كلّ آية بذاتها ، أو مجموعة آيات نزلن معا ، وهي كتل ، كلّ كتلة هي مجموعة آيات مترابطة بعضها مع البعض في المرمى والنزول جميعا ، عرفت باسم مقاطع الآيات من كلّ سورة.
وهذا من أقوى السياق المساعد على فهم معاني الآيات مباشرة.
فمجموعة آيات نزلن جملة بشأن مناسبة خاصّة أو في حادث خاصّ ، يصلح بعضها دليلا (قرينة) على فهم البعض ، قرينة متّصلة بالكلام.
فالسياق بكلّيّته يلحظ تارة إلى القرآن كلّه في سياقه العامّ من فاتحته حتّى الختام. وأخرى بلحاظ كلّ سورة بذاتها باعتبار الوحدة الموضوعيّة فيها. وثالثة سياق جملة من آيات نزلن معا أو آية برأسها نزلت لوحدها. ولكلّ هذه السياقات بأنحائها الثلاثة مجالها الخاصّ ، وتصلح قرينة على فهم المراد والحصول على حقيقة المفاد.
وإليك نماذج من دلالات السياق على أنحائه الثلاثة :
أمّا السياق العامّ ، فهو المقصود من قولهم : القرآن يفسّر بعضه بعضا ، أو كما قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض» (٢).
فربّ آية في موضعها الخاصّ ذات إبهام لا تنطق ، وإنّما يرفع إبهامها وينطقها آية أخرى نظيرتها في المؤدّى والمفاد.
ومن ثمّ قيل : أحسن التفسير وأفضله ، أن يستند لتفسير آية إلى آية أخرى نظيرتها في السياق.
قال الإمام بدر الدين الزركشي : أحسن طريق التفسير أن يفسّر القرآن بالقرآن ، فما أجمل في مكان ، فقد فصّل في موضع آخر ، وما اختصر في مكان ، فإنّه قد بسط في آخر (٣).
__________________
(١) راجع ما أوردناه بهذا الصدد في كتابنا التمهيد ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨٤.
(٢) نهج البلاغة ٢ : ١٧ ، الخطبة ١٣٣.
(٣) البرهان ٢ : ١٧٥.