عنها بالكلمات ، فلغة القلب تدرك بالذوق والإشراق ، الأمر الذي لا يحيط بالتعبير عنه الألفاظ والعبارات ، بل بالرموز والإشارات.
على أنّ تلك الإشارات المعبّرة عن الواردات القلبيّة لها واقع مشروع أقرّه الحديث المأثور : «لكلّ آية ظهر وبطن وحدّ ومطلع».
إذن فأربابها متبّعون لا مبتدعون ، وقد اختصّهم الله بأسراره وأودعهم ملكوت أنواره ، ليكونوا مصابيح الهدى في غسق الدجى (١).
قال سعد الدين التفتازاني : وأمّا ما يذهب إليه بعض المحقّقين من أنّ النصوص مصروفة على ظواهرها ، ومع ذلك فيها إشارات خفيّة إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك ، يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة ، فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان (٢).
فالإشارة ترجمان لما يقع في القلوب من تجلّيات ومشاهدات ، وتلويح لما يفيض به الله على صفوته من خلقه من أسرار وغوامض في كلامه وكلام رسوله.
قال الأستاذ حسن عبّاس زكي ـ في تصديره لتفسير القشيري ـ : ومن هنا كانت مذاقات الصوفيّة وأهل التحقيق في القرآن ، وهم لا يرون أنّ تلك المذاقات وحدها هي المرادة ، وإنّما يأخذونها إشارات جاءت من قبل العبارات. وهذا النهج السديد بعيد كلّ البعد عن نهج الباطنيّة الذين يرون من تأويلات ـ غير مستندة ـ هي المرادة بالذات وقصرهم معاني القرآن فيما فهموه لا يتعدّاه. فبين مذاقات الصوفيّة ـ من أهل التحقيق ـ ونزعات الباطنيّة آماد وأبعاد والبون شاسع كبير (٣).
وقال الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله الإسكندري (٤) ـ في كتابه لطائف المنن ـ : اعلم أنّ تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ؛ ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ، ودلّت عليه في عرف اللّسان. وثمّ أفهام باطنة تفهم عند الآية
__________________
(١) راجع : الموافقات ٣ : ٣٨٢.
(٢) شرح العقائد النسفيّة : ١٢٠.
(٣) راجع : مقدّمة تفسير القسيري ١ : ٦.
(٤) هو أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن عطاء الله ، أحد العلماء الجامعين لعلوم الدين من التفسير والحديث والأصول والتصوّف. استوطن القاهرة للوعظ ، ثمّ رحل إلى الإسكندريّة ومات بها سنة ٧٠٩ ، وكتاب لطائف المنن في مناقب شيخه أبي العبّاس المرسي. طبع بتونس سنة ١٣٠٤.