فالغاية ـ وهي العلم بالقذارة ـ على الأوّل غاية للطهارة رافعة لاستمرارها ، فكلّ شيء محكوم ظاهرا باستمرار طهارته إلى حصول العلم بالقذارة ، فغاية الحكم غير مذكورة ولا مقصودة. وعلى الثاني ، غاية للحكم بثبوتها ، والغاية ـ وهي العلم بعدم الطهارة ـ رافعة للحكم ، فكلّ شيء يستمرّ الحكم بطهارته إلى كذا ، فإذا حصلت الغاية انقطع الحكم بطهارته ، لانفسها.
والأصل في ذلك : أنّ القضيّة المغيّاة ـ سواء كانت إخبارا عن الواقع وكانت الغاية قيدا للمحمول كما في قولنا : الثوب طاهر إلى أن يلاقي نجسا ، أم كانت ظاهريّة مغيّاة بالعلم بعدم المحمول كما فيما نحن فيه ـ قد يقصد المتكلّم مجرّد ثبوت المحمول للموضوع ظاهرا أو واقعا ، من غير ملاحظة كونه مسبوقا بثبوته له ، وقد يقصد المتكلّم به مجرّد الاستمرار ، لا أصل الثبوت ، بحيث يكون أصل الثبوت مفروغا عنه ، والأوّل أعمّ من الثاني من حيث المورد.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ معنى الرواية إمّا أن يكون خصوص المعنى الثاني ، وهو القصد إلى بيان الاستمرار بعد الفراغ عن ثبوت أصل الطهارة ، فيكون دليلا على استصحاب الطهارة ، لكنّه خلاف الظاهر. وإمّا خصوص المعنى الأوّل الأعمّ منه ، وحينئذ لم يكن فيه دلالة على استصحاب الطهارة وإن شمل مورده ؛ لأن الحكم فيما علم طهارته ولم يعلم طروّ القذارة له ليس من حيث سبق طهارته ، بل باعتبار مجرّد كونه مشكوك الطهارة ، فالرواية تفيد قاعدة الطهارة حتّى في مسبوق لطهارة ، لا استصحابها ، بل تجري في مسبوق (٢١٥٦) النجاسة على أقوى الوجهين الآتيين في باب معارضة الاستصحاب للقاعدة.
______________________________________________________
مذكورة» هي الطهارة الواقعيّة الثابتة للشيء من حيث هو ، إذ الغاية على الأوّل غاية لاستمرار الطهارة المجعولة في زمان الشكّ ، لا لأصل الطهارة الثابتة للشيء من حيث هو.
٢١٥٦. بمعنى كون مسبوق النجاسة موردا لقاعدة الطهارة ، لا جريانها فيه فعلا ، كيف لا واستصحاب النجاسة حاكم عليها ، نظير ما ذكره في تعارض الاصول