إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ الأمر يدور بين أن يراد ب" النقض" مطلق ترك العمل وترتيب الأثر ـ وهو المعنى الثالث ـ ويبقى المنقوض عامّا لكلّ يقين ، وبين أن يراد من النقض ظاهره ـ وهو المعنى الثاني ـ فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار والاتّصال المختصّ بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى.
ولا يخفى رجحان هذا على الأوّل ؛ لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقه العامّ ، كما في قول القائل : لا تضرب أحدا ؛ فإنّ الضرب قرينة على اختصاص العامّ بالأحياء ، ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات.
ثمّ لا يتوهّم الاحتياج حينئذ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقن منه ؛ لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال ؛ فإنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلّق
______________________________________________________
النقض ، لأنّ فيها فقرات أخر أيضا خالية منه يصحّ الاستدلال بها على المقام. هكذا قيل. وفيه نظر ، لما سيشير إليه المصنّف رحمهالله من ضعف دلالة ما يمكن أن يستدلّ به على ذلك.
وأمّا رابعا : فلمنع كون الضرب حقيقة في الإيلام أو منصرفا إليه. ولعلّ انسباقه منه إلى الذهن في المثال ـ على تقدير تسليمه ـ إنّما هو لانصراف لفظ أحد إلى الأحياء ، كانصرافه إليهم في مثل قولنا : ما رأيت أحدا أو نحوه ، إذ لا يرتاب أحد في كون قوله تعالى : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) واردا على سبيل الحقيقة ، وليس فيه ارتكاب خلاف الظاهر من جهة الانصراف كما هو واضح. وسيجيء توضيح ما يتعلّق بالمقام عند شرح ما يتعلّق بمذهب الخونساري.
وأمّا خامسا : فإنّ المدار في مباحث الألفاظ على فهم العرف ، ولا ريب أنّهم إنّما يفهمون من لفظ النقض ـ بعد تعذّر حقيقته ـ المعنى المجازي الثاني دون الأوّل ، ولذا اخترنا القول باعتبار الاستصحاب مطلقا ، كما سيجيء بيانه. وبالجملة ، إنّ الأوّل وإن كان أقرب اعتبارا ، إلّا أنّ الثاني أقرب عرفا. ومرادهم بتعيّن حمل اللفظ على أقرب مجازاته هو الأقرب عرفا لا اعتبارا ، كما هو واضح.