وممّا يشهد بعدم حصول الظنّ بالبقاء اعتبار الاستصحاب في موردين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع ؛ فإنّ المتطهّر بمائع شكّ في كونه بولا أو ماء ، يحكم باستصحاب طهارة بدنه وبقاء حدثه ، مع أنّ الظنّ بهما محال. وكذا الحوض الواحد إذا صبّ فيه الماء تدريجا فبلغ إلى موضع شكّ في بلوغ مائه كرّا ، فإنّه يحكم حينئذ ببقاء قلّته ، فإذا امتلأ واخذ منه الماء تدريجا إلى ذلك الموضع ، فيشكّ حينئذ في نقصه عن الكرّ ، فيحكم ببقاء كرّيته ، مع أنّ الظنّ بالقلّة في الأوّل وبالكرّية في الثاني محال.
ثمّ إنّ إثبات حجّية الظنّ المذكور ـ على تقدير تسليمه ـ دونه خرط القتاد ، خصوصا في الشبهة الخارجيّة التي لا تعتبر فيها الغلبة اتفاقا ؛ فإنّ اعتبار استصحاب طهارة الماء من جهة الظنّ الحاصل من الغلبة ، وعدم اعتبار الظنّ بنجاسته من غلبة اخرى ـ كطين الطريق (٢١٩٥) مثلا ـ ممّا لا يجتمعان ، وكذا اعتبار قول المنكر من باب الاستصحاب مع الظنّ بصدق المدّعي لأجل الغلبة.
ومنها : بناء العقلاء (٢١٩٦) على ذلك في جميع امورهم ، كما ادّعاه العلّامة رحمهالله في النهاية وأكثر من تأخّر عنه. وزاد بعضهم : أنّه لو لا ذلك لاختلّ نظام العالم وأساس عيش بني آدم.
______________________________________________________
٢١٩٥. إذا وقع شيء منه في الماء القليل.
٢١٩٦. تحقيق المقام يحتاج إلى بيان المراد ببناء العقلاء أوّلا ، ثمّ بيان ما يتعلّق بالدليل المذكور ، فنقول : إنّ العلماء ربّما يتمسّكون في كتبهم الفقهيّة والاصوليّة تارة ببناء العرف ، واخرى بالسيرة ، وثالثة ببناء العقلاء. ولهذه الأدلّة الثلاثة جهة اشتراك من حيث الاتّفاق على أمر ، وجهة امتياز من حيث إنّ اجتماع المتّفقين إمّا من جهة اقتضاء فهمهم لذلك ، وإمّا من جهة تديّنهم بدين ، وإمّا من جهة عقولهم.
والأوّل يسمّى ببناء العرف ، مثل بنائهم على اعتبار الظواهر. ولا فرق فيه بين العقلاء والمجانين والأطفال والرّجال والنساء ، إذ ذلك كلّه ملغى من حيث ملاحظة جهة فهمهم.