أنّا إذا قلنا باعتبار الاستصحاب لإفادته الظنّ بالبقاء ، فإذا ثبت ظنّ البقاء في شيء لزمه عقلا ظنّ ارتفاع كلّ أمر فرض كون بقاء المستصحب رافعا له أو جزءا أخيرا له ، فلا يعقل الظنّ ببقائه ؛ فإنّ ظنّ بقاء طهارة ماء غسل به ثوب نجس أو توضّأ به محدث ، مستلزم عقلا للظنّ بطهارة ثوبه وبدنه وبراءة ذمّته بالصلاة بعد تلك الطهارة ، وكذا الظنّ بوجوب المضيّ في الصلاة يستلزم الظنّ بارتفاع اشتغال الذمّة بمجرّد إتمام تلك الصلاة. وتوهّم إمكان العكس (٢٢٠٦) ، مدفوع بما سيجيء توضيحه من عدم إمكانه.
وكذا إذا قلنا باعتباره من باب التعبّد بالنسبة إلى الآثار الشرعيّة المترتّبة على وجود المستصحب أو عدمه ؛ لما ستعرف من عدم إمكان شمول الروايات إلّا للشكّ السببي ، ومنه يظهر حال معارضة (٢٢٠٧) استصحاب وجوب المضيّ باستصحاب انتقاض التيمّم بوجدان الماء.
ومنها : أنّه لو كان الاستصحاب حجّة لكان بيّنة النفي أولى وأرجح من بيّنة الإثبات ؛ لاعتضادها باستصحاب النفي. والجواب عنه أوّلا باشتراك هذا
______________________________________________________
معارضة باستصحاب عدم الأثر الحادث من التوريث وحصول الطهارة والنجاسة ، وأمّا الآثار المرتّبة على المستصحب السابق فعلا فلا يكون موردا لاستصحاب العدم.
٢٢٠٦. بأن يقال : إنّ الظنّ باللازم أيضا يستلزم الظنّ بالملزوم ، فمع استصحاب اللازم لا يمكن استصحاب عدم الملزوم ، على عكس ما ذكرت. وأمّا عدم إمكانه ، فإنّ توجّه الذهن أوّلا وبالذات إنّما هو إلى الملزوم دون لازمه ، لكونه من توابعه ، فالظنّ أوّلا وبالذات إنّما يحصل بالملزوم ، ومعه لا يمكن حصوله بعدم لازمه ، وهو واضح ، فتأمّل.
٢٢٠٧. ظاهره كون الشكّ في الانتقاض مسبّبا عن الشكّ في وجوب المضيّ ، وليس كذلك ، إذ الأمر بالعكس. اللهمّ إلّا أن يريد بقوله : «ومنه يظهر ...» ظهور تقديم الشكّ السببي على الشكّ المسبّب مطلقا. والشكّ السببى في المعارضة التي ذكرها هو الشكّ في الانتقاض ، والشكّ المسبّب هو الشكّ في وجوب المضيّ.