بفعل ـ كالجلوس في المسجد مثلا ـ فإن كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه الغير المقيّد بشيء أصلا ، فلا إشكال في عدم ارتفاع وجوبه إلّا بالإتيان به ؛ إذ لو ارتفع الوجوب بغيره كان ذلك الرافع من قيود الفعل ، وكان الفعل المطلوب مقيّدا بعدم هذا القيد من أوّل الأمر ، والمفروض خلافه.
وإن كان الموضوع فيه هو الجلوس المقيّد بقيد ، كان عدم ذلك القيد موجبا لانعدام الموضوع ، فعدم مطلوبيّته ليس بارتفاع الطلب عنه ، بل لم يكن مطلوبا من أوّل الأمر. وحينئذ فإذا شكّ في الزمان المتأخّر في وجوب الجلوس ، يرجع الشكّ إلى الشكّ في كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيّد أو الفعل المعرّى عن هذا القيد. ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب هنا ؛ لأنّ معناه إثبات حكم كان متيقّنا لموضوع معيّن عند الشكّ في ارتفاعه عن ذلك الموضوع ، وهذا غير متحقّق فيما نحن فيه.
وكذا الكلام في غير الوجوب من الأحكام الأربعة الأخر ؛ لاشتراك الجميع في كون الموضوع لها هو فعل المكلّف الملحوظ للحاكم بجميع مشخّصاته ، خصوصا إذا كان حكيما ، وخصوصا عند القائل بالتحسين والتقبيح ؛ لمدخليّة المشخصات في الحسن والقبح حتّى الزمان.
______________________________________________________
ولكنّك خبير بما فيها ، لأنّه مع قطع النظر عمّا أجاب به عنها المصنّف رحمهالله يمكن منع كون الشكّ في بقاء الحكم دائما ناشئا من الشكّ في بعض قيود موضوعه ، لوضوح عدم كون عدم المانع ابتداء أو استدامة داخلا في الموضوع ، لأنّه من قيود ثبوت المحمول على موضوعه في كلّ زمان ، فالموضوع عند العقل هو المقتضي للحكم دون علّته التامّة وقياس ما نحن فيه على الأحكام العقليّة فاسد جدّا ، لأنّ عدم جريان الاستصحاب فيها إنّما هو من جهة أنّ حكم العقل بشيء لا يعقل إلّا بعد إحراز علّته التامّة ، فلا يحصل الشكّ في حكمه في آن حتّى يجري فيه الاستصحاب ، كما سيجيء في التنبيهات. والعلّة التامّة غير معلومة غالبا في الأحكام الشرعيّة. وقد عرفت عدم ملازمة وجود الموضوع لوجود العلّة التامّة حتّى يقال : إنّ العلم ببقائه كما هو الشرط في جريان الاستصحاب مستلزم للعلم بالعلّة التامّة.