إذا لم يحصل العلم برفعها. والثاني ، مثل : ما إذا ثبت رطوبة ثوب في زمان ، ففي ما بعد ذلك الزمان يجب الحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف.
فذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه ، وذهب بعضهم إلى حجّية القسم الأوّل. واستدلّ كلّ من الفريقين بدلائل مذكورة في محلّها ، كلّها قاصرة عن إفادة المرام كما يظهر بالتأمّل فيها. ولم نتعرّض لذكرها هنا ، بل نشير إلى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب ، فنقول : إنّ الاستصحاب بهذا المعنى (٢٣٢٩) لا حجّية فيه أصلا بكلا قسميه ؛ إذ لا دليل عليه تامّا ، لا عقلا ولا نقلا. نعم ، الظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر : وهو أن يكون دليل شرعيّ على أنّ الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت إلى زمان حدوث حال كذا أو وقت كذا ـ مثلا ـ معيّن في الواقع ، بلا اشتراطه بشيء أصلا ، فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا له ، ولا يحكم بنفيه بمجرّد الشك في وجوده.
والدليل على حجّيته أمران : أحدهما : أنّ هذا الحكم إمّا وضعي أو اقتضائي أو تخييري ، ولمّا كان الأوّل عند التحقيق يرجع إليهما فينحصر في الأخيرين ، وعلى التقديرين فيثبت ما رمناه. أمّا على الأوّل ، فلأنّه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية معيّنة مثلا ، فعند الشك في حدوث تلك الغاية ، لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظن بالامتثال (٢٣٣٠) والخروج عن العهدة ، وما لم يحصل الظن لم يحصل الامتثال ، فلا بدّ من بقاء ذلك التكليف حال الشك أيضا ، وهو المطلوب. وأمّا على الثاني ، فالأمر أظهر (٢٣٣١) ، كما لا يخفى. وثانيهما : ما ورد في الروايات من أنّ
______________________________________________________
٢٣٢٩. بمعنى الحكم بالثبوت في الزمان الثاني اتّكالا على ثبوته في الزمان الأوّل مطلقا ، سواء كان الشكّ في بقائه من حيث المقتضي أو الرافع على أقسامها.
٢٣٣٠. لعلّ مراده بالظنّ هو الظنّ المعتبر بالخصوص ، كما يرشد إليه قوله الآتي : «وهنا لم يحصل الظنّ المعتبر شرعا ...» وإلّا فاليقين بالاشتغال يقتضي اليقين بالبراءة ، إلّا على القول بالظنون المطلقة التي لا يقول بها المحقّق الخوانساري.
٢٣٣١. لموافقته لأصالة البراءة ، كما سيشير إليه المصنّف رحمهالله.