وإن اعتبر من باب التعبّد لأجل الأخبار ، فلا يجوز العمل به ؛ للقطع بانتفاء حكم العقل مع الشكّ في الموضوع الذي كان يحكم عليه مع القطع. فلا يثبت الّا الآثار الشرعيّة المجعولة القابلة للجعل الظاهريّ ، وتعبّد الشارع بالحكم العقلى يخرجه عن كونه حكما عقليّا. مثلا إذا ثبت بقاء الضرر في السمّ في المثال المتقدّم بالاستصحاب ، فمعنى ذلك ترتيب الآثار الشرعيّة المجعولة للضرر على مورد الشكّ ، وأمّا الحكم العقلي بالقبح والحرمة فلا يثبت إلّا مع إحراز الضرر. نعم ، يثبت الحرمة الشرعيّة بمعنى نهي الشارع ظاهرا (*) ، ولا منافاة بين انتفاء الحكم العقلي وثبوت الحكم الشرعيّ ؛ لأنّ عدم حكم العقل مع الشكّ إنّما هو لاشتباه الموضوع عنده ، وباشتباهه يشتبه الحكم الشرعيّ الواقعي أيضا ، إلّا أنّ الشارع حكم على هذا المشتبه الحكم الواقعي بحكم ظاهري هي الحرمة.
وممّا ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي يظهر ما في تمسّك بعضهم (٢٤١٢) لإجزاء ما فعله الناسي لجزء من العبادة أو شرطها ، باستصحاب عدم التكليف الثابت حال النسيان. وما في اعتراض بعض (٢٤١٣) المعاصرين (١٠) على من خصّ من القدماء والمتأخّرين استصحاب حال العقل باستصحاب العدم ، بأنّه لا وجه للتخصيص ؛ فإنّ حكم العقل المستصحب قد يكون وجوديّا تكليفيّا كاستصحاب تحريم التصرّف في مال الغير ووجوب ردّ الأمانة إذا عرض هناك ما يحتمل معه زوالهما كالاضطرار والخوف ، أو وضعيّا كشرطيّة العلم (٢٤١٤) للتكليف إذا عرض ما يوجب الشك في بقائها.
______________________________________________________
٢٤١٢. لأنّ موضوع حكم العقل هو النسيان ، وقد زال بالالتفات.
٢٤١٣. هو صاحب الفصول.
٢٤١٤. كذلك شرطيّة القدرة إذا عرض ما يوجب الشكّ في شرطيّتها ، كما إذا صار المكلّف نفسه سببا لزوال القدرة ، كصيرورته سببا للانسداد بالنسبة إلى الشكّ في شرطيّة العلم.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : لثبوتها سابقا ولو بواسطة الحكم العقلي.