ومنها : قوله تعالى حكاية عن مؤذّن يوسف عليهالسلام : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) (١٨) ، فدلّ على جواز الجهالة في مال الجعالة وعلى جواز ضمان ما لم يجب (٢٤٤٦). وفيه : أنّ حمل البعير لعلّه كان معلوم المقدار عندهم ، مع احتمال كونه مجرّد وعد لا جعالة ، مع أنّه لا يثبت الشرع بمجرّد فعل المؤذّن ؛ لأنّه غير حجّة ، ولم يثبت إذن يوسف ـ على نبينا وآله عليهالسلام ـ في ذلك ولا تقريره.
ومنه يظهر عدم ثبوت شرعيّة الضمان المذكور خصوصا مع كون كلّ من الجعالة والضمان صوريّا قصد بهما تلبيس الأمر على إخوة يوسف عليهالسلام ، ولا بأس بذكر معاملة فاسدة يحصل به الغرض ، مع احتمال إرادة أنّ الحمل في ماله (٢٤٤٧) وأنّه الملتزم به ؛ فإنّ الزعيم هو الكفيل والضامن ، وهما لغة مطلق الالتزام ، ولم يثبت كونهما في ذلك الزمان حقيقة في الالتزام عن الغير ، فيكون الفقرة الثانية تأكيدا لظاهر الاولى ، ودفعا لتوهّم كونه من الملك فيصعب تحصيله.
ومنها : قوله تعالى حكاية عن أحوال يحيى عليهالسلام : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٩). فإنّ ظاهره يدلّ على مدح يحيى عليهالسلام بكونه حصورا ممتنعا عن مباشرة
______________________________________________________
الفحشاء والمنكر.
وثالثا : ما أشار إليه في آخر كلامه من أنّ النزاع في جواز التمسّك باستصحاب أحكام الشريعة السابقة إنّما هو فيما لم يدلّ دليل على بقاء الحكم المستصحب في شرعنا ، لوضوح عدم صحّة التمسّك بالأصل مع وجود الدليل على طبقه أو خلافه ، وقوله تعالى : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) دليل على بقاء الحكم المذكور في شرعنا.
٢٤٤٦. لعدم الاستحقاق لمال الجعالة قبل العمل وإن شرع فيه ، فيكون ضمانه ضمان ما لم يجب.
٢٤٤٧. يعني : في مال المؤذّن ، فلا تدلّ الآية حينئذ على الضمان الصوري أيضا لأنّه إنّما يتمّ على تقدير إرادة كون الحمل في مال يوسف عليهالسلام.